كيف نستعين بأميركا على أميركا؟

قبل القمة الإسلامية في القاهرة، فاجأ الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض بمبادرته السياسية للحوار مع النظام، كل الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية والساعية إلى استمرار الاقتتال الدامي على الأرض السورية..

وصولا إلى الحل السياسي بديلا عن الحل العسكري. فنزلت مبادرته كالصاعقة في أوساط المعارضة التي وقعت في الدوحة على رفض الحوار مع النظام، وأيضا على أروقة القمة، ما دفعها إلى قرار يدعو للحوار والحل السياسي على عكس قراراتها السابقة!

وقبل القمة العربية في الدوحة، أربك الشيخ معاذ الخطيب بإعلان استقالته من الائتلاف الذي لم يستجب لمبادرته السياسية، وموجها رسالة قوية لكل الأطراف التي أغضبتها مبادرته، والتي لا تريد للاقتتال الدامي أن يتوقف إلا بعد إسقاط النظام، بل وتطالب بالتدخل الأميركي والأطلسي العسكري على غرار السيناريو الليبي..

متجاهلة أخذ العبر من النتائج الكارثية والمآسي الإنسانية التي نتجت عن التدخل الغربي، ومتغافلة عن أن الناتو بجناحيه الأميركي والأوروبي، ربما لم يكن يريد إسقاط النظام السوري بقدر ما يريد إسقاط الدولة السورية، ضمن مخططاته الساعية إلى تفكيك الجيوش لتفكيك الدول العربية المواجهة لإسرائيل، ضمن مشروعه التقسيمي للشرق الأوسط.. فنزلت استقالته كالزلزال!

فما حقيقة ما جرى ويجري في الشرق العربي الإسلامي على مدى العامين الماضيين تحت اسم "الربيع"، من انتفاضات شعبية سلمية تتجه إلى الفوضى وتفكيك الدولة بتصاعد العنف تحت علم الثورة، ومن فوضى واقعية نتيجة الاقتتال الأهلي بين فصائل مذهبية تتجه إلى إسقاط الدولة تحت علم الجهاد؟

وما علاقة ذلك كله بمشروع "الفوضى الخلاقة" الصهيو أميركي لإعادة رسم الخرائط في هذا الشرق بما يمكن تسميته "سايكس بيكو الثانية"، من أجل أن تتمكن إسرائيل من الانفراد بالقوة والقيادة في المنطقة، ضمن إطار مشروع "القرن الأميركي" بما يمكن لأميركا الانفراد بالهيمنة على العالم انطلاقا من هذا الشرق؟!

وما حقيقة المناداة بالتغيير لأنظمة عربية حاربت إسرائيل لكنها طغت على شعوبها، وحق الشعوب في إحداث هذا التغيير وفق أهدافها هي، ودور الحليفين الاستراتيجيين فيه.. وأي غد يلوح في الأفق في ضوء ذلك كله؟!

لقد كتب الكثيرون من الكتاب مثلما كتبت من قبل أكثر من مرة، أن ما يجري اليوم هو نتيجة طبيعية لمقدمات داخلية من الاستبداد والفساد والتبعية، جرت وسمحت باختراقات خارجية أمريكية وصهيونية وظفتها في مخططات وضعت بالأمس للفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، لتفعل فعلها السلبي الفوضوي التقسيمي والتدميري، سواء بفعل تراكمات داخلية مبررة، أو نتيجة مؤامرات خارجية مقررة، أو لتفاعلهما أو اختلاطهما معا، مع وعينا بما هو مبرر وغياب إدراكنا لما هو مقرر!

فعلى مدى 60 عاما يثبت للمتابعين للعلاقات الأميركية العربية من جهة، والأميركية الإسرائيلية من جهة أخرى، أن الفارق الوهمي بين المصالح الأميركية والمصالح الإسرائيلية بسيط للغاية، وأن العلاقة بين المشروع الأميركي وبين المشروع الصهيوني لمنطقتنا، هي علاقة تقاطع كبير المساحة، إن لم تكن علاقة تطابق في المصالح والأهداف.

مما سهل على المراقبين السياسيين قراءة المشروعين كأنهما مشروع واحد باسم "المشروع الصهيو أميركي". وهذا ما أكدته زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لإسرائيل، في بداية جولته المحدودة في الشرق الأوسط ومستهل ولايته الثانية. لقد قالها صريحة في تل أبيب "لستم وحدكم، وليس لكم صديق ولا حليف أقرب

إليكم من أميركا، إنكم الآن أصبحتم أقوى دولة في المنطقة وتحظون بدعم قوي من أقوى دولة في العالم"!

ولعل الدلالة واضحة فى عبارة أوباما بوصفه إسرائيل بأنها "أصبحت أقوى دولة في المنطقة".. ولعلها دلالة مزدوجة لإطلاق هذه العبارة، بعد ما آلت إليه أوضاع دول ما يسمى "الربيع العربي"، بفعل التعاون الصهيو أميركي مع حلف الناتو، سعيا لإفشال الثورات، ولإضعاف وتراجع الاقتصاد، وإنهاك القوة العسكرية للجيوش العربية في تلك الدول، بسبب الانقسامات والمواجهات والفوضى غير الخلاقة بين قواها السياسية والثورية، الليبرالية والإسلاموية!

وفيما بدا للكثيرين من العرب والمسلمين أن إسرائيل هي أميركا وأن أميركا هي إسرائيل، وإذا كنا لم نجد فارقا كبيرا في النتيجة في تفسير العلاقة الملتبسة بين واشنطن وتل أبيب، بحيث لم نعد نعرف على وجه اليقين من يدير من؟

وهل اللوبي الصهيوني هو الذي يتحكم في صانع القرار الأميركي تجاه العرب والمسلمين، أم أن إسرائيل ما هي إلا أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق العربي الإسلامي تأتمر بالأمر الأميركي، أم هي الولاية الحادية والخمسون للولايات المتحدة، وبالتالي فالمصلحتان واحدة؟!

على طول الطريق من أواسط الأربعينات في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية العام 2012، ظلت علاقة أميركا بالعرب والمسلمين، سواء في ظل الجمهوريين أو الديمقراطيين، يحكمها هدف تأمين المصالح الأميركية والإسرائيلية، بالكلام أو بالصدام أو بالسلام.. وظلت تسير في هبوط وصعود بين وفاق وشقاق، ومناورات ومؤامرات.

وحصار وحروب، انتهت إلى غزو واحتلال دولة إسلامية هي أفغانستان، ودولة عربية هي العراق وخارج الشرعية الأممية.. إن ما بين أميركا وإسرائيل هو علاقة توأمة وتحالف استراتيجي، تجعل من المشروع الصهيوني في الشرق العربي الإسلامي مشروعا أميركيا باسم "مشروع الشرق الأوسط الجديد".

ومن المشروع الأميركي في الشرق العربي الإسلامي مشروعا صهيونيا بمسمى "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، فالمشروعان متكاملان ومتحدان في اتجاه إعادة رسم خرائط الوطن العربي والأمة الإسلامية، بما يعيد تقسيمها ويمنع استعادة وحدتها لصناعة نهضتها وبناء قوتها!

وإذا كان الأمر كذلك، فبأي منطق نستعين بأميركا على إسرائيل؟ أو بمعنى أصح؛ كيف نستعين بإسرائيل على إسرائيل أو بأميركا على أميركا؟!

 

الأكثر مشاركة