المعارضة السورية وسلّم الأولويات

يبدو أن الائتلاف الوطني السوري ومعظم المعارضة السورية عامة، فقدت الأولويات والتبس عليها أمرها، وفي أحيان عديدة قلبتها، ولم تعد تفرق بدقة بين الرئيسي والثانوي، مما أوقعها في سلسلة من الأخطاء أخذت تتراكم مثل كرة الثلج.

استعجل الائتلاف الوطني السوري إقرار تشكيل حكومة مؤقتة، وذلك بهدف الحصول على مقعد سوريا لدى الجامعة العربية، وربما لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، واعتبر الائتلاف أن هذا الأمر يقع على رأس الأولويات، وأنه مهمة عاجلة ينبغي الإسراع بإنجازها. ولتحقيق ذلك اجتمعت هيئة الائتلاف المكونة من خمسين عضواً في إسطنبول لاختيار رئيس للحكومة المؤقتة.

ولم تأخذ هذه الهيئة في اعتبارها الآراء المتنوعة بين تياراتها تجاه هذا الموضوع، واضطرها الاستعجال إلى اختيار رئيس الحكومة في اجتماع طارئ بعد منتصف الليل، ولم يقبل أنصار هذا الرأي الانتظار حتى صباح اليوم التالي، كما رفضوا أن تجري هيئة الائتلاف مقابلة مع المرشحين لرئاسة الحكومة ومحاورتهم، خاصة وأن عدداً كبيراً من أعضائها لا يعرفون بعض المرشحين..

وهكذا اختير رئيس للحكومة على عجل ودون وفاق، وبحجة أن الأكثرية انتخبته، مع أن الهيئة بكامل أعضائها غير منتخبة أساساً، بل جاءت بالوفاق وعليه ينبغي عليها أن تتخذ قراراتها الأساسية بالوفاق أيضاً وليس بالتصويت. وقد أدى هذا التصرف إلى انسحاب عدد من أعضاء الهيئة من الاجتماع، رافضين عملية الاختيار برمتها، كما عبر البعض الآخر عن عدم قناعتهم بضرورة تشكيل حكومة مؤقتة، وأن الأمر كله سابق لأوانه.

إن دراسة الواقع القائم في سوريا، تؤكد أن أولويات المعارضة السورية ينبغي أن تكون مختلفة عن تشكيل حكومة مؤقتة، حيث يقع على رأس هذه الأولويات العمل على تحقيق وحدة المعارضة السياسية السورية في الداخل والخارج، ووحدة المعارضة العسكرية ذات الفصائل المتعددة والمتنوعة والمتناقضة أحياناً.

واتفاق الجميع على هيئة قيادية مهما كانت صيغتها، وتكليفها بإدارة العمليات السياسية والعسكرية في سوريا، وتحقيق نقل القرار المتعلق بالأزمة السورية إلى يد المعارضة، وإلى داخل الحدود، والاتفاق على أهداف واضحة ومفصلة للثورة السورية، وعلى برنامج عمل مفصل أيضاً، من شأنه أن ينظم عمل المعارضة وحراكها.

وإذا ما تحققت هذه الأولويات فستكون المعارضة قادرة (بعد سقوط النظام)، على إدارة الدولة والمجتمع ولملمة التشرذم المسلح، وتفكك الدولة القائم حالياً أو الذي يمكن أن يقوم بعد سقوط النظام. أما تشكيل حكومة مؤقتة واحتلال مقعد سوريا في الجامعة العربية أو منظمات الأمم المتحدة، فهو أمر معنوي ورمزي ولا يساعد كثيراً في تحقيق الأهداف، ولا يقع على رأس الأولويات.

قيل إن من أسباب قلب الأولويات هذا استعجال بعض الأطراف الداعمة للائتلاف الوطني السوري والممولة له (عربية وأجنبية)، تشكيل الحكومة، لتجد مبررات قانونية وشرعية تؤهلها لتقديم مزيد من المساعدات المالية والتسليحية، انطلاقاً من أن الحكومة المؤقتة هي الحكومة الشرعية السورية.

وبذلك تنأى هذه الأطراف بنفسها عن النقد تجاه تدخلها في الشؤون السورية.. كما قيل إن تياراً بعينه داخل الائتلاف استعجل اختيار رئيس الحكومة (وسلق الأمر سلقاً)، تحقيقاً لرغبته في إقصاء الآخرين والاستئثار بالائتلاف كله، خاصة وأن تشكيل الائتلاف الوطني السوري روعي فيه أن يكون أنصار هذا التيار هم الأكثرية تحسباً لمثل هذه الحالات.

أدى هذا الاختيار إلى انسحاب عدد من أعضاء الائتلاف، هم في الواقع فاعلون داخل المجتمع السوري أكثر من غيرهم، كما كان سبباً (من جملة أسباب أخرى) في استقالة رئيس الائتلاف، ورفض رئيس الهيئة العسكرية للجيش الحر هذه النتائج، وربما رفضها أيضاً من التنسيقيات وقادة الانتفاضة والمعارضة الداخلية وغيرهم، وبالتالي حصلت بلبلة وسوء ثقة بين الأطراف المتعددة وأُضعفت المعارضة عموماً.

إن عدم تحقيق وحدة المعارضة ووضع أهدافها وبرامجها بالتفصيل، واتفاق أطرافها على أساليب النضال، هو الخطأ الرئيس الذي وقعت فيه المعارضة السورية منذ تشكيل مؤسساتها وهيئاتها، وهكذا أخذ كل فريق فيها يعمل منذ بدء الثورة منفصلاً عن الآخر، وظن بعض الفرقاء أنه وحده يمثل الشعب السوري، وأراد أن يستأثر بقيادة المعارضة دون أطرافها الأخرى، فوقعت المعارضة في المحظور.

وهو ضياع الأولويات والاختلاف على الرئيسي والثانوي، والتناقض بين أطرافها وتفجر اختلافاتها، وخاصة حول التعاون مع الآخر خارج سوريا، أو قبول التدخل العسكري الأجنبي أو التمويل الأجنبي، إلى غير ذلك من الخلافات التي تراكمت وكبر حجمها مثل كرة الثلج، مما أفقد المعارضة جزئياً احترام شعبها واحترام الدول الأخرى، خاصة .

وأنها استسهلت أموراً كبيرة؛ كالسعي للتحالفات مع الآخر، وإهمال التنسيق بين قواها، وبيع الجماهير الشعبية الوهم بسقوط النظام خلال فترة وجيزة، ورفض أي حوار إلا بعد سقوطه، وبالتالي رفع مستوى المطالب بما جعلها أحياناً غير واقعية.

من الأهم بالنسبة للثورات عادة تحديد الأهداف بدقة، وتحديد التحالفات الداخلية والخارجية اللازمة لتحقيقها، ووضع برامج مرحلية لتحقيق الأهداف، وهذا ما لم تفعله المعارضة السورية، فكانت غير واضحة الأهداف، باستثناء هدف عام هو إسقاط النظام، دون تحديد كيف ومتى والطريق الموصلة إليه.. كما لم تحترم ما تتطلبه الثورات عادة من تنسيق ووحدة وطنية وتكتيك مرن، وتقييم جدي وواقعي لقوى الخصم وأهدافه ومراميه وأساليب عمله.

ولذلك وقعت في خطأ عدم إدراك الرئيسي من الثانوي، وخلطت الأوراق سواء المتعلق منها بالأهداف أم المتعلق بالوسائل.

 

الأكثر مشاركة