ذهبت مؤخرا إلى "ديزني لاند".. ليست "ديزني لاند" الفعلية، وإنما نسختي منها. وكانت تلك النسخة مؤتمرا بعنوان "الحكمة 2.0"، يهدف إلى معالجة "أحد أبرز تحديات عصرنا الحالي: ألا نعيش متصلين ببعضنا البعض عبر وسائل التكنولوجيا فحسب، وإنما بطرق مفيدة لصحتنا، وفعالة في عملنا، ومفيدة للعالم بأسره".

ومثل طفلة في "أسعد مكان على وجه الأرض"، فقد أردت أن أجرب كل الألعاب، وأتناول كل الوجبات الخفيفة، وأحضر كل المحاضرات، وأتحدث إلى جميع المتحدثين والحاضرين.

وكالعديد من الأطفال الذين يؤخذون بعالم "ديزني"، فقد كنت عرضة لحالة شديدة من التنبه المفرط، تؤدي في النهاية إلى الانهيار.

ولحسن الحظ، ونظرا لطبيعة المؤتمر، فقد كانت هناك فترات استراحة كافية للقيام بأمور مثل التأمل، وممارسة تمارين التنفس واليوغا، وتناول الوجبات الخفيفة الصحية. وهذا، بالطبع، لم يزدني إلا نشاطا، فقد كنت في دوامة من تنبه الذهن!

وكان المؤتمر في عامه الثالث، ومؤسسه ومضيفه هو سورين غودهامر، الذي كرس نفسه لمساعدتنا على إيجاد سبل للاستفادة من حكمتنا الداخلية، حتى في ظل إدخالنا للمزيد والمزيد من التكنولوجيا إلى حياتنا.

وهذا هو أيضا موضوع كتابه "الحكمة 2.0: أسرار قديمة للمبدعين والمتصلين باستمرار". وأسس غودهامر كذلك "مشروع الذرية"، وهو منظمة غير ربحية تهدف لمساعدة المراهقين المسجونين والمعرضين للخطر (أحب شعار المنظمة، وهو "ندخل إلى أعماقهم لنبقيهم في الخارج").

جميعنا يعلم أن التكنولوجيا تستولي عمليا على كل جانب من جوانب حياتنا، غالبا للأفضل. ولكن هناك أيضا وعيا متزايدا بأن اعتمادنا المتزايد على التكنولوجيا، يعرضنا لخطر الانفصال عن أنفسنا.

وكان العديد من الحاضرين والمتحدثين في مؤتمر "الحكمة 2.0"، شبابا بما يكفي لأن يكونوا مواطنين رقميين، نظرا لأنهم انغمسوا في تكنولوجيا كلية الوجود طوال حياتهم، وكان معظمهم قد بدأ بالفعل حياة مهنية ناجحة، وفي مرحلة المضي قدما والتقدم السريع. ولكنهم، بعد إمضائهم جزءا كبيرا من حياتهم وهم يتعرفون على فوائد التكنولوجيا، أصبحوا الآن يدركون الثمن على نحو متزايد.

إنهم جزء من الوعي المتزايد بالحاجة، في الواقع، إلى الوعي المتزايد. ولا أحد يتحدث عن العودة إلى ماضي ما قبل التكنولوجيا، ولكن هناك حديثا مطولا عن الطرق العديدة والمختلفة المتاحة للمضي قدما.

وقال غودهامر: "لقد انتهينا من مرحلة شهر العسل هذه، ونحن الآن في المرحلة التي تقول: عجبا! ما الذي فعلناه؟ وهذا لا يعني أن ما فعلناه أمر سيئ، فليس هناك من لوم، وإنما فتح صفحة جديدة".

وقالت كيلي ماكغونيغال، وهي طبيبة نفسانية تدرس علم ضبط النفس في كلية الطب بجامعة ستانفورد: "إنه هذا الإدراك الثقافي الأساسي، لحقيقة أن الناس تربطهم علاقة مرضية بأجهزتهم، فهم لا يشعرون بأنهم مدمنون فحسب، وإنما محاصرون أيضا".

وفي الوقت نفسه، هناك شكوك متنامية بشأن قدرة البيانات الكبيرة، وهي الاستخدام المتزايد لكميات لا يمكن تصورها حتى الآن من البيانات، على حل المشكلات.

وكما يكتب نسيم طالب، في قطعة مقتبسة من كتابه الجديد "مضادة للهشاشة: الأشياء التي تستفيد من الخلل"، فإن "البيانات الكبيرة قد تعني مزيدا من المعلومات، ولكنها تعني أيضا المزيد من المعلومات الخاطئة".

وحتى عندما لا تكون المعلومات خاطئة، فإن المشكلة، حسب قول طالب، "هي أن الإبرة تأتي في كومة أكبر، على نحو متزايد، من القش".

وبالإضافة إلى ذلك، كما يكتب ديفيد بروكس، فإن "هناك العديد من الأشياء التي لا تجيد البيانات الكبيرة فعلها"، ومنها، على سبيل المثال، المساهمة في توجيه التفاعل الاجتماعي واتخاذ القرارات بشأن العلاقات الاجتماعية.

فهاتان مهمتان بشريتان أساسيتان، وأمران يتعين علينا فعلهما، وفي الواقع، فإنهما أمران تجيد أدمغتنا القيام بهما، عندما نسمح لها بذلك.

ولاتخاذ القرارات الاجتماعية، حسبما يكتب بروكس، فإنه "من السخافة أن تستغني عن الآلة المذهلة الموجودة في جمجمتك، وتُحل محلها الجهاز الأولي الموجود على مكتبك".

وفي ما يتعلق ببعض الأمور، فإن "البيانات الكبيرة" تساهم مساهمة عظيمة، ولكنها حين تولد المزيد والمزيد من الضوضاء، بحيث يصبح صوتنا الداخلي غير مسموع، فإننا نحتاج إلى اقترانها بـ"الحكمة الكبيرة".

لأنه في حين أن هناك العديد من المجالات التي تفيد فيها وفرة البيانات، فإن ما يكمن في صميم المشكلات الكبيرة التي نواجهها، في ظل انتقالنا من أزمة إلى أخرى - العديد منها مسبب ذاتيا أو مصنع لا يتمثل في الافتقار للبيانات، وإنما في الافتقار للحكمة.

وفي نهاية حديثي في مؤتمر "الحكمة 2.0"، اعتلى سورين غودهامر خشبة المسرح لمقابلتي. وقبل أن نبدأ، قال: "سوف نتوقف لدقيقة فقط ونسمح للجمهور بهضم بعض ما قلته للتو. فأحد الأمور التي نحاول القيام بها، والتي لا يسهل فعلها في المؤتمرات، هو السماح بأن يكون هناك مضمون مذهل ما، ومن ثم السماح بأن تكون هناك وقفات متفرقة لكي يمكن هضمه".

إننا جميعا مبرمجون للاستمرار في البحث عن طرق تزيد من إنتاجيتنا وكفاءتنا، إلى درجة أننا ننسى أن أيا من ذلك لا يفيدنا كثيرا ما لم نتوقف قليلا لهضمه.