آبو" هو الاسم الذي يطلقه أكراد تركيا على عبد الله أوجلان، مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني الذي تبنى أسلوب العمل المسلح منذ تأسيسه عام 1984، من أجل الحصول على حقوق سياسية وثقافية لأكراد تركيا. أما ما فعله "آبو" فهو أنه وجه مؤخرا رسالة من سجنه بمناسبة عيد النيروز، طالب فيها عناصر حزبه بوقف إطلاق النار ضد الحكومة التركية.
وسحب مقاتلي الحزب إلى شمال العراق، الأمر الذي يمهد لتوقيع اتفاق سلام ينهي التمرد الكردي في البلاد، ويحيي الآمال بالتوصل إلى حل للنزاع الكردي الذي يشق تركيا منذ 29 عاما.
وهذه الخطوة ستكون لها تداعيات متعددة، ليس فقط على الصعيد التركي الداخلي المتمثل في إحلال السلم الأهلي، وإنما على الساحتين الإقليمية والدولية، فتأثيرها سيمتد إلى جوار تركيا الإقليمي، خاصة على صعيد الأزمة السورية من جهة، وجوارها مع العراق من جهة ثانية، فضلا عما ستحدثه من تأثيرات متعلقة بمحاولات تركيا أن تصبح عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي.
ولكن قبل تناول هذه التداعيات، لا بد من الإشارة إلى أمرين مهمين؛ الأول كيف استقبلت السلطات التركية مبادرة أوجلان، والثاني كيف استقبلت الأوساط الكردية هذه المبادرة، وذلك لأن التداعيات سوف تبنى على هذين الموقفين. فعلى الصعيد الرسمي رحبت الحكومة التركية بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني، لمقاتليه إلى وقف القتال ضد تركيا والانسحاب من أراضيها. وقال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، إن أنقرة ستوقف عملياتها العسكرية إذا التزم حزب العمال بذلك.
أما على صعيد الحركة الكردية، فتكفي الإشارة إلى أن مبادرة أوجلان تليت في الاحتفال برأس السنة الكردية، واستقبلت بتصفيق واحتفالات شعبية لافتة.
وفي اليوم التالي لإلقاء الكلمة، أعلن حزب العمال الكردستاني رسميا وقفا لإطلاق النار مع تركيا، استجابة لدعوة أوجلان. وقال القائد الميداني لحزب العمال الكردستاني، مراد كارايلان: "منذ 21 مارس ومن الآن، فإننا كحركة وكحزب العمال الكردستاني، نعلن رسميا وبوضوح وقفا لإطلاق النار". وهذا الموقف من الحزب ومن الجماهير الكردية، يعني أن أوجلان يتمتع بمكانة كبيرة لدى الأوساط الكردية، وأنه يستطيع التأثير على كافة الأطراف الكردية.
وأولى تداعيات مبادرة أوجلان، هي أنها ستحرر السياسة التركية المتعلقة بسوريا، ذلك أن أكثر من مراقب لاحظ أن حزب العمال الكردستاني استأنف عملياته العسكرية في الفترة التي ارتفع فيها الصوت التركي منددا بتعامل النظام السوري مع المعارضة، وهو ما دفع بعضهم إلى القول إن حزب العمال تحول إلى أداة في يد السلطات السورية تستخدمها في ضبط علاقاتها مع تركيا.
وحتى إن لم يكن الحزب هو الذي يقوم بهذه العمليات وإنما أجهزة مخابرات إقليمية، فإن الوقف الرسمي للعمليات العسكرية في جنوب شرق الأناضول حيث عمليات حزب العمال الكردستاني، يعني أن أي جهة تنفذ عمليات في مناطق نفوذ الحزب هي جهات غير تركية، الأمر الذي يسمح لتركيا بالتعامل معها باعتبارها حربا خارجية، وليست تمردا داخليا كما هو الحال مع عمليات حزب العمال الكردستاني.
أما على صعيد علاقة المبادرة بعلاقات تركيا بمنطقة الحكم الذاتي في شمال العراق والتي يديرها الأكراد، فهي سوف تزيل أسبابا للتوتر بين الجانبين بما يساعد على أمرين؛ الأول إتاحة الفرص أمام المزيد من التعاون بين الجانبين.
والثاني هو أن تغير تركيا نظرتها إلى الحكم الذاتي للمنطقة، خاصة في ما يتعلق بتحفظاتها على إمكانيات تطويرها مستقبلا للتحول إلى المزيد من الاستقلال الذاتي أو حتى إلى دولة كردية مستقلة. والمجمل هو أن خطوة أوجلان ستحدث حالة من التهدئة بين تركيا والمناطق المحيطة بها، خاصة جوارها مع الدول العربية وإيران إلى حد ما، لأن المسألة الكردية كانت سببا مباشرا من أسباب التوتر والنزاع في هذه المنطقة.
أما بخصوص علاقة هذه المبادرة بمحاولات تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فهي يمكن أن تفتح آفاقا جديدة للمحاولات التركية، ليس فقط لأنها يمكن أن تفتح الباب أمام تنفيذ بعض المطالب السياسية والثقافية للأكراد، كانت تعتبر إحدى العقبات الأساسية أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوربي.
وإنما أيضا لأنها سترفع الحرج عن أنقرة في ما يتعلق بسجن كوادر من حزب العمال يعتبرهم الاتحاد الأوروبي سجناء سياسيين، ما يزيل معظم الأسباب التي وضعت تركيا في هذا الموقف ويحسن من موقفها التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي.
يضاف إلى ذلك أن الأكراد الأتراك يشكلون جاليات كبرى في بعض الدول الأوروبية المهمة، مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا وهولندا وغيرها، وقد استطاعوا خلال تواجدهم التاريخي المؤثر، أن يكونوا جماعات ضغط قوية تتحرك عادة من أجل الضغط على الحكومة التركية لتحسين ظروف معيشة الأكراد كشرط للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكان تحركهم الأساسي في اتجاه حكومات الدول التي يعيشون فيها ويحملون جنسياتها، وهذا الأمر سيزول أيضا بما يسهل مهمة الحكومة التركية في مفاوضاتها المقبلة مع الاتحاد الأوروبي.