حماس.. بين مرونة الخارج وتطرف الداخل

بعد أشهر طويلة على بداية رحلة الانتخابات الداخلية في حركة حماس، لاختيار مجالس الشورى والمكاتب السياسية التي يعلوها مجلس الشورى العام، والمكتب السياسي للحركة، استقرت الأوضاع على انتخاب مكتب سياسي جديد، وتم التجديد لولاية خامسة لخالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي.

طول الفترة التي استغرقتها عملية الانتخابات وفق النظام الداخلي للحركة، لا يعود فقط إلى تنوع واختلاف ظروف أقاليمها بين الداخل الفلسطيني، وبين الخارج، الأمر الذي يفرض آليات مختلفة.. وإنما تضاف إليها جملة التفاعلات الداخلية التي رافقت تلك الفترة، لتحديد معالم السياسة العامة التي يتوجب على الحركة أن تتبناها، في ضوء مستجدات الوضع الإقليمي والعربي والفلسطيني.

وإذا كانت الحركة لم تنشر أية وثائق تتعلق برؤيتها السياسة العامة، فإن المراقبين ذهبوا لتفسير سلوك الحركة خلال المرحلة المقبلة، من خلال الموقف من اختيار رئيس مكتبها السياسي، الذي كان أعلن في وقت سابق أنه لن يترشح لولاية أخرى.

 من دون الكثير من التفاصيل، يقال إن النظام الداخلي للحركة لا يتيح لمشعل تجديد ولايته، غير أن الأهم من ذلك هو جملة التغيرات التي وقعت على الساحة الفلسطينية، وأدت إلى سيطرة الحركة على قطاع غزة وبناء تجربتها الخاصة، وعلى الساحة الإقليمية حيث تفكك محور الممانعة، وخروج الحركة من سوريا، وتراجع علاقاتها بإيران، وظهور مصر الإخوانية كمركز وحليف أساسي وكبير.

قبل فوز الإخوان في الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر، وفي ظل وجود محور الممانعة، الذي كان يضخ الدعم المالي والتسليحي للحركة، كانت أرجحية ثقل القرار للخارج، لكن مع وقوع كل هذه التغيرات، وترسخ تجربة الحركة في القطاع، وتزايد قدرتها على الحصول على الأموال والأسلحة، بدأت الكفة تميل لصالح القيادة في الداخل، خصوصاً في قطاع غزة، الذي يعتمد مستقبل الحركة على نجاحها فيه أو فشلها.

على أن التغيير الجوهري في مصر، وفي الدول العربية التي اندلعت فيها حركات التغيير، وحملت الإخوان إلى سدة الحكم، أو حققوا فيها نجاحات، فرضت مرة أخرى، خالد مشعل وقيادة الخارج، كطرف مدعوم من قبل قيادة الإخوان خارج فلسطين، باعتبار حركة حماس الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين العالمية.

هذا يعني أن مشعل لم يكن زاهداً في المسؤولية، ولم يكن إعلان رغبته عدم تجديد ترشحه لرئاسة المكتب السياسي، سببه الالتزام بالنظام الداخلي للحركة، وإنما طبيعة التباينات داخل حماس، والتي كانت تعكس طبيعة تفاعل الحركة مع التغييرات الخارجية. وعلى نحو أو آخر، كان المراقبون ينظرون إلى تولي خالد مشعل لرئاسة المكتب السياسي من جديد أو عدمه، على أنه ينطوي على مؤشر قوي بشأن مدى مرونة أو تطرف سياسة حماس في قادم السنوات.

تلك الاعتقادات، استندت إلى جملة المواقف التي عبر عنها مشعل خلال مرحلة التفاعلات بشأن المصالحة الفلسطينية، فهو القائل من على المنبر الاحتفالي بتوقيع اتفاق المصالحة في القاهرة في مايو 2011، إنه سيعطي السلام فرصة، وهو الذي وقع على "إعلان الدوحة" الذي يتولى بموجبه الرئيس محمود عباس رئاسة حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة، وهو الذي يشدد أكثر من غيره من قيادات حماس على خطورة الانقسام، وضرورة استعادة الوحدة الوطنية.

لقد جوبهت مواقفه باعتراضات وانتقادات علنية من قبل بعض قياديي الحركة في قطاع غزة، الأمر الذي تسبب للحركة وقيادتها ببعض الحرج، وأعطى انطباعاً بأن الحركة غير موحدة في مواقفها. في الحقيقة فإن خالد مشعل يمتلك رؤية بعيدة المدى، لدور ومستقبل حركة حماس التي لا يزايد عليه أحد فيها بشأن الالتزام بحمايتها، وإنجاح تجربتها، ودفعها نحو تسيّد القرار الفلسطيني.

في حديث خاص لم ينشر، كان مشعل يتساءل عن حق العرب في أن يكون لهم مشروعهم، وفي أن يناضلوا من أجل توسيع مصالحهم وأدوارهم، خصوصاً في ظل طموحات إيران وتركيا وإسرائيل، وسعي كل منها وراء مصالحها ونفوذها في المنطقة. وذلك يشير إلى أن مشعل يتطلع للعب دور فاعل وقوي، نحو بلورة مثل هذا المشروع، خصوصاً أن آفاق الحراك العربي تفتح مجالاً واسعاً أمام حركة الإخوان المسلمين، لكي يفرضوا برنامجهم ومشروعهم.

أما بالنسبة للوضع الفلسطيني، فإن ما رشح حتى الآن بصورة متناثرة، يشير إلى أن مشعل يعتمد خط تحقيق أهداف ومصالح وبرنامج الحركة، من داخل النظام السياسي الفلسطيني، ولذلك فإنه يبدي استعداداً أفضل للتعاطي مع ملف المصالحة الفلسطينية.

حتى الآن لا نعلم ما إذا كان مشعل يحمل رؤية أخرى بشأن تجربة الحركة في قطاع غزة، إزاء موضوعات الشراكة والحريات العامة، خصوصاً بعد أن خرج الناس في غزة على نحو غير مسبوق، احتفالاً بانطلاقة حركة فتح والثورة الفلسطينية في الرابع من يناير الماضي، وكان ذلك تعبيراً عن احتجاج جماهيري على السياسات الداخلية لحماس، أكثر مما هو تعبير عن دعم لحركة فتح.

إن اختيار خالد مشعل مجدداً لرئاسة المكتب السياسي لحماس، وتركيبة المكتب ذاته، تعطي انطباعاً بأن الحركة تتجه للتعامل بمرونة أكبر مع المستجدات الإقليمية والعربية والفلسطينية، وأنها بصدد الانتقال أكثر فأكثر للعمل في مربع السياسة.

لكن مثل هذه الانطباعات ينبغي فحصها في مختبر الحياة العملية، عبر تجربة حماس وحكومتها في قطاع غزة، والتي تشير المعطيات العملية إلى أنها تمضي بسرعة نحو أسلمة المجتمع الغزي، ونحو المزيد من الخطوات والقوانين المقيدة للحريات.

 

الأكثر مشاركة