الأزهر والكاتدرائية.. بيت العائلة المصرية

ثلاثة مشاهد مصرية رئيسية من بين عديد المشاهد العربية السورية والعراقية واليمنية والليبية والسودانية استوقفتني على مدى الأسبوع الماضي ولابد أنها استوقفت الكثيرين بالقلق من محاولات ظلامية لدفع أمتنا العربية والإسلامية بالفتن الطائفية أو المذهبية إلى المجهول.

لكن يقيني أنه بعد كل ليل صباح. خصوصا مع أكثر من مشهد شعبي ورسمي مضيء، يشير إلى أن دواعي الأمل أكبر بكثير من دواعي الألم، وبشائر الانفراج تلوح في الأفق كلما اشتدت الأزمات، وأن إصرار شعوبنا على بلوغ أهدافها وأمانيها يشير بوضوح إلى أنه كلما ازداد الظلام قرب الفجر.

المشهد الأول هو الحكم القضائي المصري غير المسبوق ببطلان قرار الرئيس المصري بتعيين النائب العام الحالي بغير الطريق الدستوري، وترتيبا على بطلان عزل النائب الأصلي بإعلان غير دستوري خارج صلاحيات الرئيس، وبينما يشير هذا الحكم إلى أن في مصر قضاء.

وأن قضاة مصر لم يرهبهم كل ما جرى من عدوان على السلطة القضائية، فإن رفض الامتثال لحكم المحكمة ولو دفعا للحرج أو خروجا من الريبة بدعم من الجماعة المتحكمة وصمت السلطة التنفيذية الحاكمة، وجه رسالة ازدراء للقانون ولأحكام القضاء ولدولة القانون.

وربما كان ذلك دافعا لانفلات غير قانوني في المشاهد غير المسبوقة التالية، فكان ما شهدناه ثانيا من مظاهرات طلابية مبررة في جامعة الأزهر بسبب حادثة التلوث الغذائي، وما تلاه من اقتحام غير مبرر لمقر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر بدعم دعائي إخواني وشحن مذهبي.

وغياب أمني لافت، ما أثار غضب الشارع المصري بجل تياراته الوطنية والدينية هاتفة بصوت عالٍ "إلا الأزهر.. وإلا شيخ الأزهر" لما للأزهر الشريف وعلمائه عبر التاريخ المصري الوطني والديني من مكانة عالية في نفوس المصريين وعربيا وإسلاميا لا تقبل بالعدوان عليه، سواء من الجماعة المتحكمة أو من السلطة الحاكمة.

وكان المشهد الثالث غير المسبوق أيضا، هو ما جرى حول الكاتدرائية القبطية في العباسية من اعتداءات واشتباكات ردا على هتافات الأقباط الغاضبة حول جثامين ضحاياهم "يسقط حكم المرشد" و"يسقط حكم المرسي" خلال تشييع جنازات أربعة من المصريين المسيحيين الذين سقطوا في اشتباكات غير مبررة في "الخصوص" بالقليوبية، وكان اللافت حول الكاتدرائية أن هناك غضبا قبطيا مبررا، وردود فعل مجهولة بالعنف تبدو مدبرة لإشعال فتنة طائفية، في ظل اتهامات للأمن بالتراخي.

ما طرح العديد من الشكوك والأسئلة، حول نجاح الأمن في حماية مقر "مرشد الإخوان"، وفشله في حماية كل من "مشيخة الأزهر" و"المقر البابوي"، وما إذا كان قصورا أو تقصيرا، ما دفع بمشاعر الخوف من إمكانية الانزلاق إلى مشاهد أكثر بؤسا وإلى تداعيات أسوأ، بفعل خطاب طائفي جاهل ومتطرف يواصل الشحن في الجانبين بما يوفر البيئة الملائمة لمرور مؤامرات خارجية معلومة المصدر لاستخدام الورقة الطائفية لإحداث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، والمذهبية بين المسلمين والمسلمين في مصر بنفس السيناريوهات السورية والعراقية، لا قدر الله!

غير أن الرد الشعبي المصري الفوري كان واضحا وقويا وفوريا حين خرجت المظاهرات المسيحية الإسلامية المصرية للهتاف بصوت عال "مسلم مسيحي إيد واحدة، عاش وحدة الهلال مع الصليب، نحمي الأزهر والكنيسة بأجسادنا"، وكان مصدر الضوء فاعلا ومشعا من "بيت العائلة المصرية" الذي يضم علماء الدين المسلمين برئاسة شيخ الأزهر، ورجال الدين المسيحيين برئاسة البابا تواضروس، وشخصيات وطنية ومستقلة عامة، بالتحرك الفوري لوأد الفتنة. ليبدو للجميع أن المؤامرة أيا كان مصدرها لن يسمح لها الشعب ولا الأزهر ولا الكنيسة بالمرور.

وتتويجا لذلك كان الرد الثقافي العربي بالغ الإضاءة والتأثير باعلان مجلس أمناء "جائزة زايد" للكتاب في دولة الإمارات العربية عن منح فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لقب "شخصية العام الثقافية". فكان أطيب تكريم من اسم طيب لرجل طيب في توافق غير مسبوق.

وحينما سئلت بقناة "سكاي نيوز عربية" عن تعليقي على محاولات إشعال الفتنة في مصر تركز ردي في عدة نقاط.

ـ إن ما يجري في مصر من احتقانات وانقسامات وفوضى في أعقاب تغييرات الربيع هو نفس ما يحدث في مواقع عربية أخرى بدرجة أو بأخرى لأسباب داخلية مبررة ولدوافع خارجية مدبرة بهدف تفكيك الدولة ونشر الفوضى وتحويل الربيع إلى شتاء.

ـ إن الفتن الأهلية التي تتخفى حاليا بأغطية دينية طائفية ومذهبية لأهداف حزبية لا وطنية ولا قومية ولا دينية، وتنهش حاليا مناطق مختلفة من جسد أمتنا العربية والإسلامية، رؤوسها خارجية وأدواتها داخلية، ويراد تصديرها لتوزيع شرورها على امتداد الأمة كلها لإغراقها في حروب أهلية لخدمة الأجندات الخارجية بأدوات محلية، هي من أخطر الفتن التي تواجه أمتنا منذ اندلاع "الفتنة الكبرى".

ـ إن مصر بلد الأزهر الوسطي السمح بطبيعة شعبها المتدين غير المتطرف وبتاريخها المتواصل وبنسيجها المتحد لا تعرف الفتنة الطائفية ولا المذهبية. فمصر تاريخيا كانت مسيحية قبل أن تكون مسلمة، وكان الأزهر منارة إسلامية ووطنية شيعية قبل ان يكون سنيا. وبالتالي فاللعب بهذه الأوراق المشتعلة خاسر وغير قابل للمرور.

ـ بزرع الفتنة بين العرب والعرب، وبين المسلمين والمسلمين، يسعى أعداء العرب والمسلمين إلى شغلهم بمواجهة أنفسهم بدلا من مواجهة عدوهم، وذلك باصطناع العدو البديل، وبتحويل الصراع السياسى إلى صراع طائفي بائس بين مسلم ومسيحي، أو مذهبي يائس بين سنة وشيعة، بترويج الشائعات وبالشحن الطائفى ليحترق فيه كل العرب وكل المسلمين.

ـ إنه في النهاية سيناريو واحد يتكرر في أكثر من بلد عربي، لا تخطئه عين مراقب ولا يغيب عن وعي متابع لتطورات الأحداث في بؤر التوتر السياسي الفوارة في شرقنا العربي المتفجر، تمارسه الأيدي الشريرة الساعية إلى نشر الفوضى وتفتيت الأوطان وزرع الفتن الأهلية وتكريس الانقسامات الوطنية في محاولاتها لتفكيك الدول وترويض الشعوب، لكنه بعون الله ووعي شعوبنا أبدا لن يمر!

 

الأكثر مشاركة