قمت مؤخرا بتقديم "سكواك بوكس"، وهو برنامج يعرف نفسه بأنه الاستعراض الذي "يجلب وول ستريت إلى مين ستريت". وبالإضافة إلى مناقشة الوضع المالي في قبرص وأزمة يورو محتملة، فقد ناقشنا الاتجاه المتزايد في عالم الشركات في أميركا، نحو اتخاذ خطوات- من بينها التأمل، اليوغا، جلسات التدريب على التنبه - لتقليل التوتر وتحسين الصحة والإبداع.

كان أحد ضيوفي في البرنامج هو مارك بيرتوليني، الرئيس التنفيذي لثالث أكبر شركة تأمين صحي في أميركا، والتي يعمل فيها 30 ألف موظف وتؤمن على صحة 17 مليون شخص. وفي عام 2010، شاركت شركة "أيتما" كلية الطب في جامعة ديوك، ووجدتا أن جلسات اليوغا المنتظمة تقلل بصورة ملموسة تكاليف الرعاية الصحية. وعقب ذلك، قام بيرتوليني بتوفير جلسات اليوغا لكل العاملين في الشركة على امتداد أميركا.

من شأن نظرة سريعة إلى ما يحدث في ساحة العمل الأميركية، أن توضح أن هذه الساحة بمثابة عالم يتمثل في شاشة منقسمة؛ فمن ناحية هناك العالم المفعم بالتوتر الخاص بتقارير العائدات ربع السنوية وتوقعات زيادة النمو والرؤساء التنفيذيين المفعمين بالتوتر والتركيز على جلية الأمر، وهو العالم الذي يعد بؤرة الاهتمام لقناة "سي إن بي إس" وبرنامج "سكواك بوكس". وهناك من ناحية أخرى، الألم الحافل بالوعي المتزايد بتكاليف التوتر، ليس في صحة ورفاه قادة الشركات والعاملين فيها فحسب، وإنما في ما يتعلق بجلية الأمر كذلك.

هناك قدر متزايد من الأدلة العالمية، التي توضح أن هذين العالمين متماثلين إلى حد كبير، أو على الأقل يمكن وينبغي أن يكونا كذلك، وأننا عندما نعاملهما باعتبارهما منفصلين، فإنه يتعين دفع ثمن كبير لقاء ذلك، في ما يتعلق بكل من الأفراد والشركات. والثمن بالنسبة للأفراد ينعكس على صورة الصحة والسعادة، وبالنسبة للشركات ينعكس على ما تكسبه من دولارات.

عندما نفصل هذين العالمين فإن التكاليف تأتي في شكلين اثنين، فأولا هناك تكاليف مباشرة ترجع إلى التوتر بالأوضاع الصحية المرتبطة به. وثانيا، هناك تكلفة الإبداع المفقود والأداء والإنتاجية المتقلصين.

وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن تكلفة التوتر بالنسبة للشركات الأميركية مرتفعة، بحيث تصل إلى 300 مليار دولار سنويا، وما لم نغير المسار فإن هذا لن يزداد إلا سوءا. ومن أفضل وأرخص الطرق لكي نصبح أكثر صحة وسعادة، التركيز على ممارسات التنبه مثل التأمل.

ولتأثيرات أساليب تقليص التوتر أثر كبير بالقدر نفسه على إنتاجيتنا وإبداعنا وطاقتنا وأدائنا، وذلك لأن هذه الأدوات تغير طريقة تفكيرنا إلى حد كبير، بحيث أنها يمكن أن تقاس على المستوى العضوي. وهذا هو السبب في أن المزيد من الشركات، تدرك أن صحة العاملين فيها هي واحد من أهم المؤشرات إلى صحة الشركة. وإلى جانب تقارير المبيعات والنصيب من السوق ومستويات العائدات، فإنه يتعين على المحللين في تلك المؤتمرات التي تعقدها شركات وول ستريت، أن يؤكدوا للرؤساء التنفيذيين لتلك الشركات أهمية مستويات التوتر لدى العاملين.

ومن الشركات التي تدرك هذا المفهوم والتي تبنته منذ انطلاقها، شركة غوغل، لكن التيار العام يمضي إلى ما يتجاوز وادي السيليكون وشركات مثل غوغل، فقد أسست جانيت مارتورانو معهد القيادة الذهنية، بعد أن غادرت شركة جنرال ميلز التي أطلقت فيها برنامجا رائدا للتنبه. وقد قالت في مقابلة أجرتها معها صحيفة "فايننشال تايمز" إن "الأمر يدور حول تدريب أذهاننا على أن تكون أكثر تركيزا، وأن تدرك بوضوح، وأن يكون فيها مجال رحب للإبداع، وأن تحس بالتواصل".

وقد انضمت إلى جنرال ميلز ربع الشركات الأميركية، بما فيها شركات تارغت، أبل وبروكتر أند غامبلز، ويسعدني القول صحيفة "هافينغتون بوست" وشبكة "إيه أوه إل".

وتقول جانيت مارتورانو: "ليس هناك توازن في العمل-الحياة، فلنا حياة واحدة، والأمر الأكثر أهمية هو أنه يمكن أن تكون واعيا بها.