في الأيام التي سبقت إلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما لخامس خطاب حالة اتحاد في ظل رئاسته، كان الخبر الكبير هو أن الرئيس سيركز على "إيجاد الوظائف" و"النمو الاقتصادي"، أو على نحو ما عبرت صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن أوباما سوف "يحدد أجندة فترة ثانية مبنية حول استرجاع الرخاء الاقتصادي للطبقة الوسطى"، وسوف "يتعهد باستخدام سلطته لاسترجاع النمو القوي في الوظائف والتوسع الاقتصادي".

وقد تم التطرق إلى هذا الموضوع في خطاب آخر ألقاه الرئيس الأميركي، وأبلغ فيه الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب، بأنه سيتحدث عن "التأكد من أننا سنركز على إيجاد الوظائف هنا في الولايات المتحدة".

واعتبار هذا الأمر خبرا، هو عرض للكيفية التي تراجعت بها استجابة واشنطن للاقتصاد، وكذلك لتوقعاتنا. لقد انقضت الآن عدة أشهر منذ إجراء الانتخابات الرئاسية، وكوننا بحاجة إلى "إيجاد الوظائف هنا في الولايات المتحدة" لا يعد فكرة جديدة على وجه الدقة.

ورغم ذلك فإن جانبا كبيرا من تركيز الرئيس الأميركي في الفترة من نوفمبر إلى فبراير، قد انصب على كيفية التوصل إلى صيغة للتقشف الاقتصادي، أقل تدميرا من الصيغة بالغة التدمير التي دعا إليها الجمهوريون.

والصيغة الأقل تدميراهي بالتأكيد أفضل من الصيغة الأكثر تدميرا، ولكن أيا منهما لن تسفر عن إيجاد وظائف.

ومع ذلك فهذا هو ما يجيء بعد الخطاب الذي يعد مهما، أم أنني ينبغي أن أقول بين خطاب حالة الاتحاد والخطاب الذي يليه، حيث إن الوظائف والاقتصاد قد ظهرا بانتظام في خطابات حالة الاتحاد السابقة التي ألقاها أوباما كذلك.

وفي ما يلي عدد المرات التي وردت فيها كلمة وظائف في خطاب حالة الاتحاد، في السنوات الأربع الماضية: 2009: 14 مرة، 2010: 23 مرة، 2011: 25 مرة، 2012: 33 مرة.

وهكذا فإن الحديث عن الوظائف قد ازداد في كل عام، ولكن ذلك لم يعقبه تحرك يذكر.

ومع هذا فإنه في كل عام يغدو، على نحو ما، خبر أن الرئيس سيتحدث عن الوظائف، أو سوف يكشف زاوية خطابية جديدة في ما يتعلق بالاقتصاد.

وربما يكمن سبب أن هذا يعد خبرا كل عام، في أن هناك بالفعل تحركا محدودا للغاية تم القيام به في الفترات المنقضية بين الخطابات. وواشنطن تنسى كل ما يتعلق بالوظائف طوال العام، إلى أن يحدث فجأة في أواخر يناير أو أوائل فبراير أو قبيل الانتخابات، أن تعود الوظائف للإطلال مجددا.

وقد أصبح الأمر صيغا خطابية من الضيف الذي يدعى للجلوس إلى جوار السيدة الأميركية الأولى لدى إلقاء كل خطاب حالة اتحاد، حيث يمكن تصور الرئيس الأميركي وهو يقول: "يجلس إلى يسار زوجتي الجميلة الإطفائي البطل الذي أنقذ 37 طفلا، ويجلس إلى يمينها اهتمامنا بالوظائف والطبقة المتوسطة"، ويقف المشرعون على الجانبين ويصفقون! فالاهتمام بالوظائف والطبقة الوسطى لهما أنصار كثيرون، ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وهذه هي المرة الأخيرة التي نشاهد فيها الاهتمام بالوظائف والطبقة الوسطى إلى ان يحل عام آخر، حيث يقال له في معرض الوداع: "ها هي طائرتك، أقصد حافلتك وبطاقة السفر للعودة إلى البيت، واحرص على أن تبقي جدولك الزمني مفتوحتا في ما يتعلق بأواخر يناير من العام المقبل". وهذا مثال لتفكير أوباما السحري وتفكيرنا، في ما يتعلق بالخطوة الاحتفالية الكبرى.

قد تكون مهمة في تحديد جدول أعمال وإعلام البلاد بطبيعة أولويات البيت الأبيض، ولكن إذا كان هذا هو حقا جدول الأعمال وتلك حقا هي الأولويات. وغالبا ما يصبح خطاب حالة الاتحاد السنوي، ليلة ليس لها كبير مغزى من ليالي مسرح الكابوكي (من الذي يقول إن واشنطن ليس لها مشهد مسرحي مفعم بالحياة؟).

ليس لدي شك في أن الرئيس الأميركي يهتم بالوظائف، ويفضل إيجاد المزيد منها على إيجاد أعداد أقل، ولكن هناك مستويات مختلفة من التركيز الرئاسي.

فلنعد بالذاكرة مثلا إلى البيت الأبيض في عهد بوش (الابن) والمرحلة المفضية إلى حرب العراق، فمن المؤكد أن هذا مثال على ما يبدو عليه البيت الأبيض الممعن في التركيز، وقد كان المسؤولون فيه يركزون في عناد على جر الولايات المتحدة إلى حرب وقائية كارثية لم يسبق لها مثيل. وكان ذلك مشروعا كبيرا، وبمزيد من التركيز نفذه أولئك المسؤولون، وكانت تلك قضية لا يمكن اتهام البيت الأبيض فيها بأنه لم يدعم أقواله بالأفعال.

فلننتقل إلى عام 2013، وعلى العكس من أسلحة الدمار الشامل العراقية، فإننا نواجه تهديد بطالة طويلة الأمد وتراجعا للطبقة المتوسط، موجودا بالفعل.

وفي حقيقة الأمر فإن هذا التهديد قد أحدث ضررا خطيرا على امتداد سنوات، ولكن إذا كان هناك أي شخص في البيت الأبيض يريد محاربة البطالة بالإصرار نفسه، الذي أراد به الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني وعشرات آخرون غيرهما، محاربة العراق، فإنني آمل أن يظفروا بحربهم في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس باراك أوباما.

وهكذا فإنني بينما أرحب بإخلاص بالتركيز في خطاب حالة الاتحاد على الضرائب والنمو، آمل بالإخلاص ذاته أن تتبعه أعمال واضحة ومستدامة.