مصر والإمارات علاقات تسمو فوق المعوقات

كان الأسبوع الماضي إماراتياً مصرياً بامتياز، في مشاهده الثقافية ومبادراته الإنسانية وإشاراته الأخوية والسياسية.

لقد جاءت المبادرة الثقافية الإسلامية لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، بدعم مشروعات الأزهر، بما قيمته نحو نصف مليار جنيه، كبادرة نبيلة، استقبلتها الأوساط العلمية والدينية في مصر بالشكر والتقدير، لتضاف إلى رصيد الدعم النبيل الذي قدمته الإمارات لمصر عموماً، وللأزهر الشريف خصوصاً، لدعم مراكزه المتخصصة.

ورسالته العلمية والثقافية في العالم الإسلامي. وكانت أبرز المبادرات الإنسانية لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، للمصريين عموماً، هي قراره الكريم بالإفراج عن ما يزيد على مئة سجين مصري من المحكومين في قضايا مالية، وتكفل سموه ـ جزاه الله كل خير ـ بتسديد مديونياتهم، ما أشاع الفرحة بين المئات من أبناء هؤلاء الذين نالوا حريتهم والعودة لذويهم ولآلاف المصريين من عائلاتهم.

وضمن المشاهد الثقافية، كان العرس الثقافي لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، الذي في إطار فعالياته الكبرى، جاء الإعلان في احتفال كبير برعاية سامية، عن اختيار "جائزة الشيخ زايد للكتاب" لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب "شخصية العام الثقافية"، باعتباره قيمة علمية وثقافية وقامة مصرية وإنسانية.

وتحت مظلة معرض الكتاب، اجتمع أكبر حشد لدور النشر العربية والعالمية، وفي مقدمها دور النشر المصرية والإماراتية، حيث توافدت كل الجاليات العربية والإسلامية من "أمة اقرأ"، تحاول أن تقرأ، وكل الجاليات العالمية تشارك بإسهاماتها الثقافية، وكتاب ومفكرين من الوطن العربي والعالم الغربي، يشاركون في الندوات والمحاضرات وورش العمل والمعارض التراثية والفنية، من فرق الفنون الشعبية الخليجية والعربية، بما يكرس الإمارات وجهة ثقافية عالمية بامتياز.

وخلال زيارة فضيلة شيخ الأزهر التاريخية للإمارات، دار زايد الخير، استقبله أبناء زايد الخير بكل تكريم لقيمة مصر، ولدور الأزهر الشريف في الحفاظ على وسطية الإسلام، ولمقامه الكبير، فقام بزيارته في قصر الإمارات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، واستقبله في دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،

وقد استقبل المصريون هذه المبادرات النبيلة بكل الشكر والعرفان، مثلما لن ينسى المصريون جميعاً بكل الوفاء، الوقفات المشهودة لشيخ العرب الكبير، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الاتحاد، وباني نهضتها، طيب الله ثراه، وأياديه البيضاء تجاه الشعب المصري، بالإسهام في تعمير مدن القناة.

ودعم الجيش المصري في حربه المنتصرة الكبرى، حرب رمضان المجيدة، بقطع البترول عن الدول الكبرى الداعمة للمعتدين الإسرائيليين، لتبقى مقولته الخالدة "إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"، شاهدة على عروبة وأصالة هذا القائد التاريخي.

ولعل ما ترسله هذه المشاهد وتلك المبادرات من رسائل أخوية وإنسانية، بما تحمله من دلالات ثقافية وسياسية تجاه مصر العربية والشعب المصري كله، يشير بوضوح إلى العلاقات الأخوية الطيبة بين الشعبين الشقيقين، والعلاقات السياسية والاقتصادية الاستراتيجية بين البلديين الشقيقين، أعمق وأقوى من أن تفصل بينها الفواصل العارضة.

ويؤكد أنها قادرة على الثبات رغم الأزمات العابرة، بحكمة المسؤولين في البلدين، لأنها قدر الشعبين المصري والإماراتي. وبينما بدا هناك أمل في إمكانية أن تمطر السحابة الغائمة خيراً، بحكمة وعقلانية وبأخوة عربية وإنسانية، تتعالى على الجماعات الصغيرة والأفكار الخاطئة والأوهام الزائلة، وبعد تصحيح الأوضاع التى تعيق استعادة العلاقات بين الدولتين.

وتبديد بواعث القلق لدي الجانبين، وعودة الثقة بين القاهرة وأبو ظبي، أخرج عن صمتي لأقول بصوت عالٍ كمصري: شكراً للإمارات العربية المتحدة، فـ "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، كما أكد الحديث النبوي الشريف.

فمنذ أطلت تلك السحابة الغائمة في سماء العلاقات المصرية الإماراتية، في أعقاب التغيير الذي شهدته مصر بعد ثورة يناير قبل عامين، وبدت الأمور في اتجاه المستقبل غير واضحة، بما كان باعثاً على القلق لدى الأشقاء، في الإمارات خصوصاً، وفي الخليج عموماً، رأيت نفسي عازفاً عن تناول هذا الأمر، حتى لا تسقط مني كلمة قد تفهم من هنا أو من هناك على أنها غير بناءة، آملاً أن تكون المسألة مجرد سحابة صيف، سوف تمطر أو تمر.

وبعدما تحولت إلى سحابة داكنة عكرت صفو العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين والشعبين العربيين الشقيقين، مع تولي الدكتور محمد مرسي رئيس حزب جماعة الإخوان السلطة، في ظل التوجس من التلويح بتصدير الثورة، زاد الطين بلة، الإعلان عن اكتشاف خلية لجماعة الإخوان من الإمارات أولاً، ثم أخرى من الإخوان المصريين المقيمين في الإمارات ثانياً على اتصال بجماعة الإخوان في مصر، رأيت من واجبي الانتظار حتى تتكشف نتائج التحقيق كاملة..

ولأن الإعلام ليس من مهمته الصمت، خصوصاً في ظل الأزمات، إلا أن الصمت أحياناً يكون أبلغ من الكلام بالنسبة لمصري يعيش منذ ربع قرن في الإمارات، محباً لشعبها ومكرماً من أهلها، خصوصاً في أزمة علاقة لها من الثوابت وعناصر الرسو خ ما يجعل القدرة على معالجتها بحكمة وتجاوزها بسرعة من المسؤولين في كلا البلدين الشقيقين، هو الاحتمال الأقرب.. لذا رأيت من الأنسب الترقب بأمل، والمتابعة بتفاؤل، وعدم الإدلاء بشهادتي عن تلك الأزمة.

ذلك أن شهادتي كانت ستكون في كل الأحوال مجروحة، مصرياً وإماراتياً، مهما كانت هذه الشهادة صادقة وموضوعية ومخلصة، في دعوتها لتبديد كل ما يعيق وضوح الرؤية على طريق العلاقات من ضباب، ولإزالة كل ما على هذا الطريق من أشواك، وصولاً إلى العودة بالعلاقات إلى صفائها.. فسأكون محسوباً على الإمارات مهما كنت من مصر، كما سأكون محسوباً على مصر مهما كنت في الإمارات.. لذا آثرت الانتظار حتى أمطرت السماء خيراً وبركة.

 

الأكثر مشاركة