ما بعد العدوان الإسرائيلي على سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

وقع العدوان الإسرائيلي الإرهابي السافر على العاصمة السورية دمشق، بعد تمهيد سياسي أمريكي بزيارة الرئيس أوباما للعاصمة الصهيونية تل أبيب، لوصل ما انقطع مع حليفتيه الإسرائيلية والتركية المحيطتين بسوريا، بما يذكرنا بنظرية شد الأطراف لبن جوريون، عبر مثلث "حلف المحيط" الذي يضم تركيا وإيران وإثيوبيا لحصار الوطن العربي.

وقد نتج عن الزيارة إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للتصرف وفقا لتقديراتها، في التعامل العسكري مع إيران أو سوريا، وبعد ترتيبات عسكرية وتعبوية وميدانية صهيونية خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل لتل أبيب، الذي أعلن فيها بوضوح التزام أميركا باستمرار تفوق قوة إسرائيل على كل القوى في المنطقة.

وقد اعترف وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون للمرة الأولى، بمسؤولية جيشه عن استهداف قافلة عسكرية سورية، بذريعة أنها كانت متوجهة إلى «حزب الله» في لبنان، كما توالت اتهامات العسكريين الإسرائيليين في «مركز دراسات الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، ضد "نظام الأسد" بإثارة استخدامه لأسلحة كيميائية ضد المعارضة المسلحة، وتوجيه الانتقادات والاتهامات ضد روسيا وإيرا ن لدعمهما "النظام السوري"، كجزء من التمهيد الدعائي للعدوان على البلدين بالذريعتين الكيميائية والنووية!

وشدد جانتس رئيس الأركان الصهيوني على استعداد الجيش الإسرائيلي لتطورات سوريا، بما في ذلك احتمال تقسيمها مستقبلا، قائلا "من المحتمل أن تنشأ "علويستان" أو "أفغانيخان"، ونحن لا ننتظر أن يصلنا المستقبل، بل نستعد له منذ أكثر من عام"!

كاشفا بوضوح أن "السنوات الهادئة تمر، ويزداد عدم الاستقرار مستقبلا. ونحن نستعد لمستقبل كهذا في "هضبة الجولان" بشكل عملياتي، بجمع المعلومات وبناء العراقيل أو باستخدام القوات"، فيما قال رئيس جهاز الموساد السابق مائير داغان في نيويورك: "إن تل أبيب تسعى وبكل جهدها من أجل إسقاط نظام بشار الأسد،.

موضحا أن الدول العربية باتت أكثر كرها له، وهذه لحظة مناسبة". وحدد "داغان" خلال المؤتمر السنوي لصحيفة "جيروزاليم بوست" الهدف، قائلا "أن إقصاء الأسد من حكم سوريا ذو أهمية استراتيجية قصوى لإسرائيل".. هكذا بوضوح!

جاء العدوان تحديا واضحا، ليس لسوريا وحدها، وإنما لكل الدول العربية والإسلامية، واختبارا كاشفا لمدى جدية ومصداقة وفاعلية جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة الأمم المتحدة، التي تنص مواثيقها واتفاقياتها على رفض العدوان ومعاقبته، والتضامن مع المعتدى عليه ومساندته!

ومهما كانت طبيعة ردود الفعل على العدوان الإسرائيلي، مقبولة هنا وغير معقولة هناك، واعية ومحذرة أحيانا وغائبة أو مغيبة غالبا، إلا أنها بصفة عامة جاءت أقل من قدر أمة كبيرة الحجم والطاقة، تتعرض للعدوان المستمر من العدو ذاته، وتلدغ بغياب الوعي من الثعابين ذاتها مرات!

وهذا يدعونا للتساؤل عما إذا كان سوء حالة النظام العربي والإسلامي المريض، قابلة للشفاء أو أنه استسلم للانكفاء في أحضان الأعداء ظنا بالوهم أو بالتمني أنه يحمي نفسه من هؤلاء؟!..

ويستدعي أن نتساءل أيضا عما إذا كانت التحديات العدوانية المتوالية، من العراق ولبنان إلى السودان والصومال إلى ليبيا وسوريا، كافية لتوليد استجابات لدى الجسد العربي الذي أنهكته الضربات، أم أنه استسلم لحالة من الانقسام والوهن والتيه وخلط الأوراق؟! وهو ما يغري كل الأعداء والأعدقاء للتداعي لالتهامه دولة بعد دولة "كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها"، ليس من قلة عدد، بل من "كثرة كغثاء السيل"!

وبعدما وقع المحظور الذي حذر كل العقلاء من تداعياته وامتداداته منذ بداية الأزمة السورية، بأن رفض الحل السياسي والمراهنة على الحل العسكري وفق السيناريو الليبي، لن ينجح في إسقاط النظام أو المعارضة المسلحة، بقدر ما سيدمر قدرات الوطن السوري في مواجهة أي عدوان خارجي، وفي تفكيك الدولة السورية ومعاناة الملايين من شعبها، وأن عدم الاستجابة لكل المبادرات الإقليمية والدولية الداعية إلى رفض التدخل العسكري الخارجي.

وسرعة وقف نزيف الدم السوري، واللجوء إلى الحوار الوطني الجامع لكل أطياف الشعب، للوصول إلى الصيغة الديمقراطية التي تحقق الإرادة الشعبية، إنما يفتح الباب واسعا لأي عدوان صهيوني أو تدخل أطلسي. وهذا العدوان الصهيو أمريكي الخطير، يفتح الطريق أمام تحول الحريق السوري إلى حريق إقليمي بتداعياته على تركيا ولبنان والعراق والأردن، وربما دولي، ولم تكن صدفة أن يجري هذا العدوان بعد مناورات إسرائيلية مفاجئة على الحدود السورية واللبنانية!

وهذا يستدعي سرعة إطفاء الحريق السوري، واعتبار العدوان الصهيو أميركي عدوانا على الأمة العربية والإسلامية كلها، ولهذا لا بد له من رد جاد وتحرك عملي.. سوري وعربي وإسلامي.

 

Email