ما أن يستقر بك المقام في مكتبك كل صباح، حتى تبدأ باحتساء قهوتك الصباحية، ثم تتصفح الجرائد اليومية، وتقرأ ما تقرأه من أخبار متنوعة سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية... إلخ..

تبدأ بتقليب هذه الصحيفة أو تلك، وتتمعن في هذا الخبر أو ذاك، إلا أن ما يشدّك من مجموع هذه الأخبار، هو ما يتعلق بحوادث السير، بحيث ترد على النحو التالي: وفاة مواطن في حادث مروري مروّع، وفاة آسيوي في حادث دهس، وفاة أم وطفلها في حادث تدهور مركبتها، وهلّم جرا... وفؤادك بطبيعة الحال وأنت تطالع هذه الأخبار المأساوية، يعتصر حزناً وألماً.

وهنا يتساءل المرء: هل ستخلو صحفنا يوماً من هذه الأخبار الأليمة المفجعة، التي تنفطر لها الأفئدة، ويتحسّر عليها كل صاحب فكر واع، لا لشيء، سوى لأهمية هذه الثروة البشرية التي تهدر كل يوم في الطرقات والشوارع، فضلاً عن الخسائر المادية الفادحة التي تترافق بالضرورة مع مثل هذه الحوادث المؤسفة؟!

يا للهول!! عبارة تقولها كونك إنساناً تحمل في داخلك مشاعر الإنسانية تجاه الآخرين، مهما كان جنسهم أو عِرقهم أو دينهم أو جنسيتهم، وتتفكر بحرقة شديدة في أمر الأشخاص المستهترين، ومنهم الذين ذهبوا ضحايا السرعة، أو المتسببون في الحوادث المرورية التي راح ضحيتها أناس أبرياء، لا حول لهم ولا قوة.

وفي مدى تأثر واستجابة هؤلاء للرسائل التوعوية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة على مدار العام، فضلاً عما تقوم به إدارات شرطة المرور في جميع إمارات الدولة، من جهود حثيثة لجعل الطرقات أكثر أمناً وسلامة، وإذ بك تصل إلى نتيجة سلبية، مفادها: عدم الاستجابة.

لقد استخدم القائمون على وزارة الداخلية والقيادات العامة للشرطة، مشكورين، جميع الأدوات التحفيزية والترغيبية والتحذيرية والعقابية مع سائقي المركبات في الدولة، ولكن يظل بعض الناس خارج هذه المنظومة القيمية، بسببٍ من طبيعتهم التكوينية التي لا تريد أن تستجيب إلى مثل هذه المنظومات التوعوية.. لا لشيء، إلا لمحدودية تفكيرهم وضيق أفقهم.

هؤلاء لا يريدون - للأسف وبمحض إرادتهم - أن يستجيبوا لرسائل التوعية أصلاً، غير مكترثين بالعواقب الوخيمة التي يسفر عنها طيشهم وتهورهم في القيادة.

فما نراه في الطرقات كل يوم من تصرفات مشينة، يؤكد هذا الاستهتار والعبث بالقوانين المرورية على حساب الآخرين، وكأنهم يقودون مركباتهم على الطريق منفردين، أو أنها صمّمت على مقاساتهم.

والأمر الأشد عجباً، أن ترى هؤلاء المستهترين يقودون مركباتهم بطريقة جنونية أثناء الضباب، وكأن هذا الأخير أمر لا يعنيهم وغير مهم، ولا يستدعي أخذ الحيطة والحذر من جانبهم.

عجباً لهؤلاء!! ألم يعْلق في ذاكرتهم "حادث غنتوت"، الذي وقع في مارس عام 2008، والذي أسفر عن وفاة 3 أشخاص وإصابة نحو 350 شخصاً، وتدمير أكثر من 250 مركبة، بسبب الضباب والسرعة الزائدة، وعدم ترك مسافة أمان كافية بين المركبات، وغيره من الحوادث المرورية المشابهة التي وقعت بسبب الضباب؟!

كذلك مما يدعو أيضاً للاستغراب، أن بعض السائقين المستهترين، عندما يشاهد أمامه حادثاً مرورياً مروعاً، يبطئ من سرعته فقط للفرجة، ولكنه بعد أن يتجاوز نقطة الحادث، يبدأ بالضغط على دوّاسة الوقود إلى نهايتها، ليصل إلى السرعة التي تُرضي غروره، وكأن شيئاً لم يكن!.

وتأسيساً على ما تقدّم، نقول توجيهاً: أيها المستهترون، اتقوا الله في أنفسكم وفي الناس، لأنكم من خلال هذه الأفعال تجنون على أنفسكم وأولادكم من جهة، وعلى الناس الأبرياء، بدون وجه حق، من جهة أخرى.

نعم.. لقد آن لكم أن توقفوا هذا النزف اليومي للأرواح البشرية، ما بين الإسفلت والحديد.