من لبننة العراق إلى عرقنة سوريا.. والبقية تأتي

من الثوابت المبدئية للشعوب العربية والإسلامية الواعية، أن ما هو وطني جامع يعلو على ما هو سياسي فارق، وما هو قومي أكبر يعلو على ما هو وطني أصغر، وما هو ديني موحد يعلو على ما هو مذهبي مفرق.. وبالتالي فإن الخلافات السياسية والطائفية والعرقية في غياب المشروع الوطني الجامع، ينبغي أن تتوارى في مواجهة العدوان الخارجي على الوطن..

 والخلافات السياسية والطائفية والمذهبية في غياب المشروع القومي العربي، ينبغي أن تتوحد في مواجهة العدوان على أي جزء من الأمة العربية.. كما أن الخلافات القومية والسياسية والمذهبية في غياب المشروع الإسلامي الموحِد، لا بد أن تذوب لمواجهة العدوان على أي بلد إسلامي.

من هنا، فإن الأصوات الوطنية والعربية والإسلامية التي ارتفعت في الوطن العربي والأمة الإسلامية، رفضاً للعدوان الصهيوني المدعوم أميركياً على العاصمة السورية دمشق، والاعتداءات الصهيونية المتطرفة على المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس، رغم خفوتها، كانت تعبيراً عن الشعور الجمعي، ومحذرة من الخلاف على ضرورة التوحد لمواجهته..

بمنطق أنه أياً كانت خلافاتنا السياسية والمذهبية داخل الوطن الواحد أو بين الأمة الواحدة، فإنها ليست مبرراً لأحد أن يصمت أو يتغافل عن أن أي عدوان على جزء من الوطن العربي هو عدوان على كل الوطن، وأن أي عدوان على أي بلد إسلامي هو عدوان على كل الأمة، طبقاً للقيم الوطنية وللثوابت العربية وللمبادئ الإسلامية.

ولقد تعلمنا من تاريخنا العربي والإسلامي، أن الغزوات المعادية كانت لا تستهدف بلداً بعينه بالفتن الأهلية إلا للانطلاق بعده إلى البلد التالي، وأن القوى الاستعمارية كانت تضع خططها ضد الأمة العربية والإسلامية باعتبارها كتلة واحدة، لكن الغريب الآن أن كل بلد بات يظن واهماً أنه بمنأى عن الاستهداف، متناسياً أن الخطر يستهدف الجميع بغير استثناء..

بينما في الماضي كان الوعي الاستراتيجي أعمق، فإذا سقطت بغداد استعدت دمشق، وإذا هوجمت دمشق تحركت القاهرة، ولم ينتصر العرب والمسلمون أبداً على عدوهم الصليبي أو الصهيوني إلا بالوحدة، كما حدث في حرب رمضان بوحدة الجبهتين المصرية والسورية، وبدعم الجيشين العراقي في الشرق والليبي في الغرب، وبمشاركة عربية فاعلة من الخليج إلى المحيط.

وبينما أهملنا نحن دروس النصر عام 73، تعلم العدو الصهيوني وحلفاؤه درس الهزيمة من حرب رمضان، فوضع خططه لتفكيك وحدة العرب، وأطلق مؤامراته لتقسيم الأوطان، وأشعل الفتن الأهلية لاستنزاف الجيوش العربية الرئيسية، خصوصاً المصرية والعراقية والسورية، التي تشكل السد العالي الحقيقي في وجه المعتدين، وقوة الردع الحقيقية بما يهدد إسرائيل..

فنجح حتى الآن في تدمير الجيشين العراقي والليبي، وفي استنزاف الجيش السوري، وما زال يحاول مع الجيش العربي المصري الوحيد الباقي، لاستدراجه إلى فخ في سيناء، لكنه ما زال يرتطم بالسد العالي المصري المتمثل في الوعي الشعبي والسياسي والعسكري.

وكان قد بدأ بإشعال فتنة الحرب الأهلية اللبنانية، بكل المكونات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية، لتحقيق هدفين وصولاً إلى تنفيذ مخططه الكبير الأول، وهو ضرب المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. والثاني، باتخاذ هذه الحرب الأهلية نموذجاً لتعميمه لإشعال الحروب الأهلية على المواقع الرئيسية في الأمة العربية، المشتعلة والمتفجرة الآن.. ثم مع الفشل في لبنان اتجه إلى العراق بعدوان أطلسي صهيوأميركي.

وعلى الفور حل الجيش العراقي الذي تخشاه إسرائيل، وأشعل الحرب الأهلية لتقسيم العراق، في الطريق إلى تكرار اللعبة الدموية في سوريا.. وهكذا من غزو العراق إلى ضرب ليبيا، ومن لبننة العراق إلى عرقنة سوريا، وبالعكس!

وقد جاء العدوان الصهيوني على دمشق، ولما لم ير موقفاً عربياً قوياً، اعتدى على المسجد الأقصى في القدس واقتحم المستوطنون باحاته، ليختبر مدى قوة الموقف الإسلامي، كما جاء ليكشف لكل ذي عينين ما كان مستتراً، وليوضح لكل ذي عقل ما كان ملتبساً، وليدعو كل وطني أو قومي عربي أو أممي إسلامي لأن يراجع نفسه..

وفي حين كان الموقف العربي والإسلامي باهتاً واهناً، مع انشغال العرب والمسلمين بالانقسام السياسي والمذهبي في تونس وليبيا ومصر، والاقتتال الأهلي والعسكري في سوريا والعراق ولبنان، خرج علينا أمين عام الجامعة العربية بعد اجتماع عربي قائلاً: «الجامعة العربية لا تملك القوة لرد العدوان الإسرائيلي، ولهذا نطالب مجلس الأمن الدولي بممارسة مسؤولياته لوقف الاعتداءات»!

وهنا يمكن أن ندرك بوضوح، أن ما يجري من انقسامات سياسية وطائفية ومذهبية أو اقتتال دموي، على المستوى الوطني أو على المستوى العربي أو الإسلامي، إنما يخدم المؤامرات والمشاريع الصهيوأميركية المنشورة بعد حرب رمضان، والموضوعة من جانب أعداء كل العرب والمسلمين، لتأمين إسرائيل ولإعادة إخضاع الأمة العربية والإسلامية للسيطرة مجدداً.

وفي الطريق من لبنان إلى العراق ومن العراق إلى سوريا، يقول «آفي ديختر» وزير الأمن الإسرائيلي السابق «هناك خيارات ثلاثة متاحة حالياً للضغط على سوريا.. الأول، استراتيجية بن غوريون «شد الأطراف بحلف المحيط»، وبمقتضاها لعبت تركيا دورها بالضغط على سوريا (وإيران الشاه بالضغط على العراق، وإثيوبيا على السودان).

ويمكن قيام الأكراد بهذا الدور، لهذا سعت إسرائيل لإقامة كيانهم في شمال العراق! الثاني، «استخدام الساحة اللبنانية للضغط على سوريا، فلإسرائيل أصدقاء مستعدون لهذا الدور، لكنهم لا يريدون كشف روابطهم بإسرائيل، ونحن نستثمر موقف أولئك الأصدقاء بالتعاون مع الولايات المتحدة»! الثالث، التعامل مع المعارضة السورية.

وتكرار تجربة إسرائيل لدعم المعارضة العراقية، حين ساندتهم سياسياً ومالياً وأميركياً، كما دربتهم عسكرياً، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعناه مع بعض القوى المعارضة في السودان ولبنان»! وأخيراً، قال ديختر: إن «شد أطراف الساحة السورية أمر ممكن، وهناك منافذ عدة لتحقيق أهدافنا، عبر الأردن ولبنان وكردستان العراق.. بحلف المحيط»!

هكذا بوضوح، يجري تكرار السيناريو العراقي في سوريا وبالعكس.. إلى صوملة ليبيا، وتهديد تونس ومصر بالإرهاب.. والبقية تأتي طبقاً للمشروع الصهيوأميركي للأمة، طالما هي أمة لا تقرأ!