الإرهاب ليس جهاداً والمقاومة ليست إرهاباً

لا يزال اقتناعي أكيداً بأن "المقاومة" الوطنية المسلحة ضد الاحتلال، ليست فقط حقاً من حقوق الشعوب القانونية التي قررتها المواثيق الأممية، بل أيضاً هي واجب شرعي، بما قررته الشرائع السماوية، لتحرير أرضها بكل وسائل القوة من الأعداء المحتلين للوطن.

ولا يزال اعتقادي ثابتاً، بأن "الجهاد" المسلح باسم الدين، لا يمكن أن يحمل السلاح للاقتتال غير المشروع صراعاً على السلطة أو خلافاً على المذهب مع الأشقاء في الوطن، بينما يتغافل عن القتال المشروع دفاعاً عن المقدسات ضد المحتلين أعداء كل الوطن..

ولا يزال رأيي واضحاً، بأن "الثورة" باسم الشعب تظل ثورة حتى تحمل السلاح ضد جيشها الوطني، بما يكشف ظهر الوطن أمام أعداء كل الوطن، أو تستقوي بالخارج، خصوصاً من أعداء الوطن أو أعداء الدين، أو يكون شرها أكثر من خيرها، ونفعها أقل من ضررها على حياة شعبها وسلامة وطنها.

وإذا كان المعتدون المحتلون لأراضي العرب والمسلمين في فلسطين وسوريا ولبنان، يحاولون وصم المقاومة الوطنية لاستعادة الأرض المحتلة، أياً كانت أيديولوجيتها السياسية، بالإرهاب، ويقاومون المقاومين بإرهاب الدولة الأكبر، نقول لهم إن إرهاب الاحتلال هو أعلى درجات الإرهاب، ومقاومة الإرهاب الاستعماري لا يمكن أن تكون إرهاباً، إلا في حالة اتباع وسائل غير مشروعة إنسانياً، كقتل الأبرياء المدنيين المسالمين جماعياً وعشوائياً..

وعندما يحاول المحتلون المعتدون وصم الجهاد الديني، أياً كان مذهبه، والمشروع بتعاليم السماء وقوانين الأرض لطرد الاحتلال الغاصب من أرض العرب والمسلمين، ولتحرير مقدساتهم الأسيرة كالمسجد الأقصى أو كنيسة القيامة في القدس المحتلة، بالإرهاب ظلماً، نقول لهم بل أنتم الإرهابيون.

فلا يمكن للمجاهدين الحقيقيين أن يكونوا إرهابيين إلا باستخدامهم لوسائل إرهابية غير مشروعة دينياً وإنسانياً، كقتل الأبرياء وإشعال الفتنة وترويع الآمنين، أو تفجير المساجد أو الكنائس على رؤوس المصلين.

وإذا كان بعض الجماعات المتطرفة التي تنتسب للدين، وتتورط غفلة أو عمداً في عمليات مخالفة لصحيح الدين، وبعض المجموعات الإرهابية المخالفة لتعاليم الدين جهلاً به أو غلواً فيه أو تستراً بغطائه لإخفاء مشاريعهم الحقيقية السياسية والاقتصادية، كخدمة مدفوعة الرواتب لمخابرات أجنبية، أو كأدوات لقوى إقليمية أو دولية، فإنها لا تكون فقط معادية للوطن والشعب، بل تكون معادية للدين وشاهد زور عليه، بما يبرر للعالم وصم الإسلام، دين السلام، بالإرهاب.

ويزيد من انتشار "الإسلاموفوبيا" خصوصاً لدى الغرب. فالإرهاب الحقيقي لا يختلف على إدانته وطني أو ثوري، أو مسلم أو مسيحي، غير أن الثورة السلمية التي تؤيدها غالبية الشعب، والتي تحمل برنامجاً وطنياً لبناء الوطن وكرامة الشعب، ليست إرهاباً..

والإرهاب الدموي والاقتتال بين المسلمين الذي يخرب الوطن ويشتت الشعب، لا يمكن أن يكون جهاداً. من هنا، لا تكتسب أية ثورة مشروعيتها إلا من سلميتها، وشعبيتها، وتقدميتها..

ولا يكتسب الجهاد المسلح مشروعيته إلا من موقفه الدفاعي عن ديار المسلمين ضد عدوان مسلح، ولا تكتسب المقاومة المسلحة مشروعيتها إلا من حق الشعوب الذي شرعته رسالات السماء وقوانين الأرض، في الدفاع الشرعي ضد المحتلين للأرض، المعتدين على الأرض أو العرض أو النفس أو المال أو الدين..

بعيداً عن كل شرور الإرهاب. ومنذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، والضجيج الذى انطلق من واشنطن ولندن ضد الإرهاب لم يختلف عليه أحد، لكن الذى لم يتفق عليه العالم حتى اليوم، هو تعريف الإرهاب، وكيفية إدارة مواجهته، وضرورة معالجة الأسباب قبل محاربة النتائج، وقبل كل شيء عدم الخلط بين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وبين الجرائم غير المشروعة ضد الأبرياء، فالنضال ليس إرهاباً، والإرهاب ليس نضالاً.

وبينما يختلف الجميع حول تعريف «الإرهاب»، وكل من زاويته يدين ما يعتبره إرهاباً، إرهاب الدول الأكبر بالطائرات والبوارج والصواريخ، أو إرهاب الجماعات والأفراد الأصغر بالأحزمة الناسفة والألغام والمفخخات.. تبدو الصورة في النهاية، وفقاً للعديد مما نقرأ ونسمع ونشاهد، متقاطعة الألوان ومختلطة الأوراق، وغير محددة المعالم.

فكم من الجرائم الإرهابية قد ارتكبت من جانب بعض الدول الغربية، بقيادة صهيو أميركية، وتبعية أنجلو فرنسية، تحت لافتة الحرب على الإرهاب.. وكم من الجرائم الإرهابية قد ارتكبت من جانب بعض الجماعات العربية باسم الثورة، أو باسم الجهاد، أو باسم المقاومة، سواء في فلسطين ولبنان، أو في العراق وسوريا، أو مصر وليبيا.

من هنا، جاءت أحداث بوسطن ولندن وباريس الإرهابية مؤخراً، لتفرض على الجميع وقفة للمراجعة، ولتوسيع دائرة الرؤية، وإعادة النظر في الأسباب والنتائج، وفى الوسائل والأهداف، في الحملة العالمية التي كانت تقودها واشنطن وتبعتها لندن منذُ ثلاثة أعوام، والمسماة "الحرب ضد الإرهاب".

من هنا، تواجه الحملة ضد الإرهاب ارتباكاً واضحاً، يجب أن يدفعها لقناعة وشجاعة المراجعة، بل والتراجع.. مثلما تواجه عمليات الجهاد أو المقاومة أو الثورة أحياناً نفس الارتباك، حين توجه ضرباتها ضد الأبرياء من المدنيين في الجبهة الخطأ، وبالتصويب الخطأ، ما يفرض عليها التراجع والمراجعة. وإذا كانت "النار لا تطفئ النار"، و"الاحتلال يولد المقاومة" و"المشاكل السياسية أو المذهبية لا تحل بالوسائل العسكرية".

و"القضايا الفكرية لا تحل بالإجراءات البوليسية"، و"الظلم يولد الانفجار"، و"إرهاب الدولة يولد الإرهاب الأهلي".. "والإرهاب الأهلي ليس ثورة، والثورة ليست إرهاباً، والإرهاب ليس جهاداً.. ففي النهاية، فإن "معالجة الأسباب أولى من محاربة النتائج".

هذه مسلمات واضحة وحقائق لا تقبل الجدل.. ومع ذلك، هناك من يسلم بالواقع فيسلم، وهناك من يكابر فيقع في المحظور، وهناك من يصل بالإدانة العمياء إلى الخلط بين الإجرام الإرهابي، وبين المقاومة الوطنية، متجاهلاً عن غرض أو عن تغاضي، أن النضال الوطني من أجل الاستقلال أو الشعبي من أجل الحرية ليس إجراماً.

وأن الإجرام العشوائي في حق الأبرياء ليس نضالاً.وإذا كان الرجوع إلى الحق فضيلة، فإن المراجعة وعدم المكابرة ضرورية للجميع، لعلاج الأزمات والمشاكل الدولية التي تسبب المظالم، وتنتج ردود الفعل الطائشة بدرجة الإرهاب، فإن منطق الأمور يكشف ما توصل إليه العقلاء في العالم، وهو أن القضاء على الإرهاب إنما يتم فقط بالقضاء على أسبابه، وليس بالحرب على نتائجه..

 

الأكثر مشاركة