شهدت دولة الإمارات في الأيام القليلة الماضية، حدثاً مهماً على صعيد الاقتصاد الوطني، وهذا الحدث قد أخذ أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية ووطنية غاية في الأهمية. فالحدث هو توقيع اتفاقية اندماج شركة الإمارات للألمنيوم (إيمال)، وشركة دبي للألمنيوم (دوبال)، تحت سقف شركة جديدة عملاقة مملوكة مناصفة لكل من "مبادلة" و"مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية"، تسمى "شركة الإمارات العالمية للألمنيوم"، وبقيمة أصول وأعمال تزيد على 55 مليار درهم.

إن هذا الاندماج المؤثر في المشهد الاقتصادي المحلي والإقليمي والدولي؛ جاء ليجعل الشركة الجديدة تتبوأ المركز الخامس عالمياً من حيث حجم الإنتاج العالمي للألمنيوم، خصوصا بعد الانتهاء من توسعة المرحلة الثانية من شركة (إيمال)، في النصف الأول من العام 2014، والتي بمقتضاها سيرتفع إنتاج الشركتين إلى 2.4 مليون طن سنوياً.

وبطبيعة الحال، فإن هذا المركز المتقدم يمثل بُعدين مهمين، أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، ذلك أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، حيث تربطهما علاقة وثيقة وأزلية، إذ لا وجود لسياسة قوية من دون اقتصاد قوي يدفعها إلى الأمام، وفي المقابل لا يوجد اقتصاد مزدهر ومتين من دون استقرار سياسي راسخ، وهو ما تتمتع به دولة الإمارات بفضل الله تعالى ثم السياسة الحكيمة والمتوازنة التي تنتهجها القيادة الرشيدة للدولة.

أما البعد الوطني، فيتمثل في أن الشركة الجديدة أوضحت أنها ستعمل على تطوير الكوادر الوطنية في الدولة، وستوفر ألفي فرصة عمل مباشرة بحلول العام 2020، ستضاف إلى ما يزيد على 6200 وظيفة حالية، ومن المتوقع أيضا .

إضافة 6 آلاف فرصة عمل غير مباشرة بحلول العام 2020، بمعنى توظيف ما يزيد على 33 ألف شخص في قطاع صناعة الألمنيوم في الدولة. وهذا ينسحب أيضا على البُعد الاجتماعي، من حيث إن الإماراتيين الموظفين من قبل الشركة سيحصلون على دخل شهري ثابت من خلال وظائفهم التي سيشغلونها، وهو ما سيمكّنهم من بناء أسر جديدة، علاوة على أن ذلك سيوفر لهم استقراراً مادياً سينعكس بالضرورة على استقرارهم الأسري والاجتماعي.

لقد أدخل اندماج شركتي (إيمال) و(دوبال) تحت سقف شركة وطنية جديدة السعادة في نفوس أبناء الإمارات على اختلاف تخصصاتهم ووظائفهم سواء كانت ذات علاقة بالاقتصاد والمال والأعمال، أو البعيدة عن هذه القطاعات مجتمعة، إلا أن أيّ اندماج ينشأ بين مؤسسات إماراتية اقتصادية كانت أو اجتماعية أو رياضية.. إلخ، سيصب حتماً في مصلحة الوطن؛ ويكون محل ترحيب واحتفاء من جانب أبناء الإمارات.

هذا الحدث المهم كما أسلفنا، سيجرّنا إلى معلَميْن اقتصاديين على قدرٍ كبير من الأهمية، وقد كثر الحديث عن ضرورة وأهمية اندماجهما وهما سوقا أبوظبي للأوراق المالية ودبي المالي، تحت سقف سوق مالي واحد يطلق عليه "سوق الإمارات المالي"، فهذا الدمج أصبح قابلاً للتحقيق الآن.

حيث سيؤدي الدمج بين السوقين إلى نتائج مبهرة على المستوى الاقتصادي للدولة، إذ سيصبح سوق الإمارات المالي بقيمته السوقية التي تبلغ 531 مليار درهم في المرتبة الثانية بعد السوق السعودي في مؤشر القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة بين الأسواق الخليجية، بالإضافة إلى أن سوق الإمارات المالي ستدرج فيه جميع الشركات المدرجة في السوقين سواء شركات إماراتية أو غير إماراتية.

وهذا سيؤدي إلى تنوع الفرص الاستثمارية، ويشجع الاستثمار المحلي والأجنبي والمؤسسي على دخول السوق، فضلاً عن أن عملية توحيد الأنظمة والإجراءات ستصب في مصلحة المستثمرين صغارهم وكبارهم وشركات الوساطة المالية، وغيرها من مزايا وإيجابيات ترفد عملية التنمية الاقتصادية المستدامة.

وتجدر الإشارة هنا إلى قيام مؤسسة "مورغان ستانلي" للمؤشرات العالمية "إم إس سي أي" بترقية أسواق الإمارات إلى مؤشر الأسواق الناشئة، وهي بالضرورة خطوة متقدمة تدفع وتخدم وتسهل عملية الاندماج المأمول للسوقين.

ملخص القول: إن الاندماج بين الشركات والقطاعات الوطنية أصبح أمراً ضرورياً ومحركاً أساسياً للاقتصاد الوطني، كما أنه يدفع بتوجهات القيادة الرشيدة بخصوص تحقيق "الرقم واحد" عالمياً في جميع المجالات نحو الأمام، فضلا عن ذلك، فإنه يمهّد الطريق لتحقيق "رؤية الإمارات 2021"، الرامية للوصول إلى اقتصاد معرفي عالي الإنتاجية بقيادة وطنية متسلحة بالعلم والمعرفة والإبداع، ويدعم أيضاً ملف الدولة لاستضافة معرض "اكسبو 2020" في دبي، وغيرها من استحقاقات حضارية، وكل ذلك بالطبع سيصب في مصلحة الوطن والمواطنين، ويصنع مستقبلاً اقتصادياً مشرقاً ومستداماً لدولتنا الحبيبة.