مصر ما قبل 30 يونيو

في نهاية أسبوع مصري سريع الأحداث عالي السخونة، وحافل بالمشاهد القضائية والشعبية والسياسية، ومشحون بالبيانات والتصريحات والمبادرات من كل القوى والتيارات المتوافقة والمتقاطعة والمتصادمة، بما لا يستطيع مقال واحد أن يتناوله بالتحليل الكافي، ولا يترك فيه لكاتب أكثر من الرصد والملاحظة، يكفي في البداية أن أتوقف فقط أمام أهم أحداث يوم واحد هو يوم الأحد الذي أكتب فيه، في الطريق ليوم الأحد التالي الثلاثين من يونيو، بإشارات متباينة خضراء وصفراء وحمراء..

صباحاً، حكم قضائي مدوٍّ يضع الرئيس محمد مرسي وثلاثاً وثلاثين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، في دائرة الاتهام القانوني بالتخابر مع الخارج للهروب من سجن وادي النطرون بالقوة، وبمشاركة عناصر مسلحة من حركة حماس وحزب الله، وبالمسؤولية عن مقتل 15 سجيناً وإصابة العشرات، ما يضع الرئيس وقيادة الجماعة تحت طلب النيابة العامة للتحقيق معهم، والإحالة لمحكمة الجنايات إذا ما ثبت الاتهام!

ويأتي هذا الحكم الجديد لمحكمة الجنح الاستئنافية، ليطرح التساؤل حول مدى شرعية استمرار الرئيس في ممارسة صلاحياته في ظل الاتهام الجنائي، وليضاف إلى سلسلة من الأحكام القضائية السابقة، من المحكمة الإدارية العليا، ومن المحكمة الدستورية العليا، بعدم اختصاص الرئيس بإصدار إعلانات دستورية، وببطلان قانون تشكيل لجنة الدستور، وببطلان انتخابات مجلس الشورى، ما يخصم الكثير من شرعية الرئيس إلى حد يكفي، في نظر معارضيه، لعدم استمراره هو ومجلسه الشوري أو دستوره.

وظهراً، صدور تصريحات غير مسبوقه للقائد العام للقوات المسلحة المصرية الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أمهل فيها السلطة والمعارضة أسبوعاً للتوصل إلى صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية، وتحذيره من أن الجيش سيجد من واجبه التدخل ما لم يحدث التوافق السياسي، لحماية مصر وشعبها من الانزلاق إلى نفق مظلم.

ويأتي هذا الإنذار مستبقاً أية تحركات للرئيس لاتخاذ أية قرارات غير مدروسة تزيد الأزمة تعقيداً، وبما يلقي بالكرة في ملعب الرئيس الحاكم وجماعة الإخوان المتحكمة، لإصدار قرارات فورية تتوافق مع مطالب المعارضة لنزع فتيل التفجر قبل الثلاثين من يونيو. لكن أهم ما حمله هذا الإنذار، هو تحذيره للجماعات المتطرفة التي تحاول ترويع الشعب المصري في الثلاثين من يونيو.

وتعهده بعدم السماح لأحد بأن يمس سلامة الشعب المصري، ولن يبقى ساكناً أمام انزلاق البلاد في صراع تصعب السيطرة عليه، وتحذيره الأخير لكل الذين استمرأوا الإساءة للجيش المصري، من الجماعة أو من الموالين لها داخلياً أو الممولين من الخارج، بأنه لن يسكت على أي إساءة توجه إليه، مما يعكس غضب رجال القوات المسلحة ممن صدرت عنهم تلك الإساءات.

ومساءً، الجريمة الإرهابية اللاإنسانية الشنيعة، والباعثة على الاشمئزاز والإدانة من كل العلماء الأجلاء ومن كل المسلمين الأسوياء أياً كانت مذاهبهم، لتحريم وتجريم القتل على الهوية الدينية أو المذهبية لخمسة مواطنين مصريين من المسلمين الشيعة، والتمثيل بجثثهم وحرق منازلهم في إحدى قرى محافظة الجيزة، بالمخالفة للشريعة الإسلامية وللقوانين المصرية.. مصداقاً للحديث النبوي "من أمّن رجلاً على دمه فقتله، فأنا بريء من القاتل.

وإن كان المقتول كافراً"، بما يلقي بالمسؤولية السياسية والجنائية عن وقوعها وآثارها اللاحقة، على الرئاسة الإخوانية التي سمحت لدعاة الفتن الطائفية والمذهبية ولجماعات التكفير الديني، بالتحريض على القتل للمخالفين في الدين أو المذهب، في قوافل "دعوية" تحريضية في المحافظات المصرية، تحت سمع وبصر الرئاسة الإخوانية!

حدث هذا كله في يوم واحد من أسبوع بالغ السخونة، بأحداثه وتظاهراته واضطراباته الدامية، بما يستبق يوم الثلاثين من يونيو، بينما تحبس مصر والعالم الأنفاس على مشارف أحد احتمالين: إما زلزال سياسي شعبي سلمي، يشارك فيه جل ألوان الطيف السياسي الوطني، ويضم قوى إسلامية وليبرالية وقومية ويسارية بحماية الجيش والشرطة، يهدف لاستعادة الثورة من خاطفيها، والاحتكام من جديد لإرادة وخيار الشعب عبر صناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة..

أما الخيار الثاني، فهو طوفان مذهبي غير سلمي يقلب الصراع السياسي إلى ديني، ليصور للناس زيفاً وكأنه بين أنصار المشروع الإسلامي وأعداء المشروع الإسلامي، فيدخل مصر وشعبها في أتون صراع أهلي بين إرادتين، الأولى لفصيل إسلاموي واحد يتشبث بالحكم ويحاول الاستئثار بالدولة، في مواجهة تيارات قومية وليبرالية ويسارية وفصائل إسلامية، ترى أن حكم هذا التيار لم يعد قابلاً للاستمرار بسبب فقدانه الشرعية بأحكام قضائية، لانقلابه على الدستور والقانون والقضاء، وفقدانه للرضا الشعبي أساس الشرعية! ولهذا، فإن المواجهة السلمية أو الدامية ـ لا قدر الله ـ من 30 يونيو وربما وصولاً إلى 23 يوليو،.

لن تكون بين أنصار الإسلام وأعدائه، فليس الصراع إطلاقاً على الإسلام، فالمصريون غالبيتهم مسلمون بالطبيعة.. كما أن الجماهير التي ستنزل إلى الميدان كالطوفان للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، لن تكون جماهير المعارضة من جبهة الانقاذ أو حركة تمرد فقط في مواجهة "أنصار الإسلام" وحملة تجرد، بل ستكون ملايين جماهير الشعب بكل أطيافه، في مواجهة "أنصار الرئيس" من جماعة الإخوان والأحزاب الصغيرة الموالية لها.

وبعدما سقط في نظر الغالبية الشعبية "المشروع الإخواني" الذي ظهر على مدى العام كشاهد زور على "المشروع الإسلامي"، فلقد بدا واضحاً تجاوب غالبية الشعب مع دعوة التظاهر والاعتصام السلمي في ميادين التحرير المصرية، لتحقيق مطالبها..

ليبقى السؤال بعدها: وماذا بعد 30 يونيو؟ ولأننا نردد دائماً "مصر بخير.. فالعرب والمسلمون بخير"، ندعو الله للشعب المصري العربي أن يتجاوز هذه الأزمة بسلام، وأن تصغي السلطة إلى صوت الشعب، ويكون الحق فوق القوة، والوطن فوق الفرد، والشعب فوق الحزب.. سيراً على سكة السلامة بوحدة كل القوى الوطنية، وبحماية الجيش والشرطة، وفي ظل عدالة القضاء وهداية الأزهر، وصولاً إلى العدالة والمساواة والمصالحة الوطنية الجامعة.. لك يا مصر السلامة.. وسلاما يا بلادي.

 

الأكثر مشاركة