صاحب السيادة الشعب المصري.. تعظيم سلام

صاحب السيادة الشعب المصري.. خروجك في اليوم الموعود كالطوفان بكل تلك الملايين الجماهيرية الحاشدة، بشبابك وشيوخك، ونسائك ورجالك، وعمالك وفلاحيك، وعلمائك وقضاتك، وإعلامييك ومحاميك، وساستك ومثقفيك، من كل ألوان الطيف المصري الوطني والديني، السياسي والثقافي..

بحماية جنودك وضباطك من رجال الجيش المصري الأمين ورجال الشرطة الوطنية الحامية، بما أبهر العالم كله، معلنا سقوط شرعية الرئاسة الإخوانية بنفسك، بعد أن أسقطت نفسها بنفسها قبل مرور عام واحد، أعاد مصر إلى المصريين وإلى العرب والمسلمين، وأعاد المصريين إلى مصر، وحقق عودة الروح للثورة الشعبية المصرية.

لقد كان خروجك يوم الثلاثين من يونيو في موعد مع القدر، بكل تلك الملايين الجماهيرية الحاشدة كالطوفان التي فاقت العشرين مليونا، في أضخم تظاهرة بشرية في التاريخ الإنساني، كما ذكرت الصحافة العالمية، حتى اكتظت الميادين بأمواج هادرة من المصريين، هو أكبر وأوسع وأعظم استفتاء شعبي ميداني على الهواء، على سقوط المشروعية غير الشرعية للرئاسة الإخوانية الغاشمة.. بعد رفضها لمطالب ملايين الشعب المصري منذ شهر، بإجراء استفتاء لتحديد أو لتأكيد مدى شرعيتها، أو بالدعوة لانتخابات رئاسية جديدة.

كان هذا المطلب الديمقراطي والدستوري هو ما دعت إليه سلميا «حركة تمرد» الشبابية المستقلة، تعبيرا عن ضمير الشعب المصري بسحب الثقة من رئاسة الدكتور محمد مرسي، وجمعت عليه 22 مليون توقيع من المواطنين العاديين، والذي نادى به الكثيرون وكنت واحدا منهم، حينما كتبت تحت عنوان «مصر بين سكّتين» في نفس هذا المكان من صحيفة «البيان»، ما نصه: «ولأن صديقك من صدَقك لا من صدّقك ودعاك إلى سلوك طريق السلامة، ومن حذّرك لا من حرضك على طريق الندامة.

. فلا أرى مخرجاً مناسباً من أزمة الانقسام السياسي الحاد في مصر، ينزع فتيل الاشتعال الذي ينذر بمواجهة دامية قد تتحول لزلزال أو طوفان، ولتطويق آثار ما يمكن أن تؤدي إليه أحداث يوم 30 يونيو من احتمالات المخاطر الأمنية الدامية، سوى أحد طريقين سياسيين دستوريين يحتكمان إلى الشعب بالوسائل الديمقراطية، الأول، هو مبادرة من الرئيس محمد مرسي بإجراء استفتاء فوري على استمرار رئاسته لنهاية المدة، بما يجنب مصر مزيداً من الانقسام والمخاطر، ويحفظ ماء الوجه للجميع، والثاني، هو الاستجابة للمطلب الشعبي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، انطلاقاً من ثقته في شعبيته، ومن أن إرادة الشعب هي الحاكمة والفاصلة في الأزمات الكبرى».

وبعدما رفض الرئيس المرؤوس من جماعته، الاستجابة لنداء الشعب، وأبى واستكبر وضيع على نفسه وعلى حزبه وتياره الإسلامي هذه الفرصة السلمية الآمنة، وحول التظاهرة الداعية إلى ثورة ضد هذا الاستكبار على الشعب، فإنك أيها الشعب المصري صاحب السيادة على أرضك، ومصدر السلطات في وطنك، بهذا الاستفتاء الشعبي الملاييني الحاشد، وبشرعية ثورة 30 يونيو الشعبية، لم تعد في حاجة لأي قرار من الرئيس السابق، سواء بالاستقالة أو بالاستفتاء، بعدما أعلنت إقالته بإرادة شعبية وبوسيلة ديمقراطية وثورية في آن.

وبهذا فإن ما حدث ويحدث الآن في كل ميادين مصر، سواء كان موجة ثورية شعبية ثالثة لثورة 25 يناير، تستعيد فيها بإرادتك الحرة ثورتك من الذين كانوا آخر من دخلوا ساحتها، وأول من من خرجوا منها، ثم اختطفوها واحتكروا الحديث باسمها زوراً، أو كان ثورة شعبية ملايينية تشكل أوسع جمعية عمومية للشعب المصري، فإنها قد أسقطت في الواقع شرعية الرئاسة الإخوانية، وبحماية الجيش المصري الأبي.

ولا مجال هنا لأحد لم يشغله سوى مناشدة الأميركيين والغرب لحماية حكمه، عبر الرسائل المتوالية بالإنجليزية والفرنسية، من وراء ظهر الشعب المصري، متناسيا أن «المتغطي بالأميركان عريان»، أن يزعم بأي حال أن بيان الجيش التاريخي بحماية إرادة الشعب وفق الفكر الديمقراطي في العالم، يعتبر انقلابا عسكريا كما يزعم الزاعمون، بل ثورة شعب حماها الجيش.

وهنا حينما يقرر الشعب الثائر ويريد، فلا بد لجيش الشعب أن يستجيب ويحمي إرادته، ولا بد لكافة السلطات أن تستجيب لأوامره.. فالشعب هو الذي يقرر ولا يقرر له أحد، والشعب هو الذي يأمر ولا يأمره أحد، سواء بالشرعية الدستورية أو الثورية.

لم ينتظر الشعب المصري طويلا أن يعلن الرئيس استقالته، مؤكدا أن على مرسي أن يسارع بالاستقالة، متحملا المسؤولية عما وقع من ضحايا في الجانبين، فقد أعلن عشرات الملايين من المصريين، وعلى رأسهم علماء الوطن ورجال القضاء من كل الميادين، سقوطه شعبيا بقرار إقالة شرعي، ولن يكون الشعب بحاجة لانتظار قرار منه، خصوصا أن شرعيته التي سقطت منذ زمن، تأكد سقوطها بسقوط الشهداء بأيدي قتلة من جماعته!

وهكذا تأتي ثورة الشعب المصري في محطتها الأخيرة في 30 يونيو عام 2013، تصحيحا لمسار ثورة 25 يناير عام 2011، وتتويجا لكل الثورات التاريخية الشعبية الكبرى التي سبقتها، بمشاهدها الوطنية والإنسانية والحضارية، التي تجلى فيها تحالف الشعب والجيش، والوحدة الوطنية الرائعة، سواء في «ميدان التحرير» في القاهرة أو في كل ميادين التحرير في المدن المصرية الأخرى، من الإسكندرية إلى أسوان ومن العريش إلى مطروح، ومن المنصورة إلى الأقصر وأسيوط، لتصبح مصر المنصورة حديث عالمها العربي وأمتها الإسلامية والعالم كله، بثورتها الشعبية وأهدافها الإنسانية في الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وحتى نشر هذه السطور، سواء رحل الكابوس أم بقي مصرا على الكرسي غير الشرعي، فإن كل ساعة يستمر فيها الدكتور مرسي رئيسا سوف يتحمل فيها مسؤولية كل شهيد وكل قطرة دم مصرية، إخوانية أم غير إخوانية، أمام محكمة عادلة تحت قبة قضاء مصر الشامخ..

ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، فلم نكن لنضحي بالوطن من أجل جماعة، أو نضحي بالشعب من أجل فرد.. أي فرد. فالشعب هو الباقي، والوطن هو الباقي والأفراد راحلون. ختاماً.. لك يا مصر السلامة، وسلاماً يا بلادي، ويا شعب مصر العظيم.. تعظيم سلام!