ثورة شعبية أم انقلاب شعبي؟

بينما الشعب المصري العظيم الذي أسس أول دولة في التاريخ يعيد بإرادته الحرة صياغة التاريخ على أرضه من جديد ليعيد بناء وطنه من جديد في دولة مصر الجديدة على أسس جديدة من الشراكة الوطنية القائمة على الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وبينما تهل علينا أنوار الشهر الكريم، رفع ثوار الميدان في التحرير لـ"فانوس رمضان" ومن خلفه لافتة كبيرة مكتوب عليها "أهلاً رمضان بلا حكم الإخوان" بعدما أسقط من جديد الفرعون الصغير الجديد، بعدما رفض نداءات الشعب له بإجراء استفتاء شعبي أو انتخابات رئاسية لتأكيد الشرعية الحاكمة، بعدما سحب الشعب من الفرعون الذي انقلب على الشعب شرعيته، خصوصاً بعدما اكتشف الشعب المصري فشله وغياب كفاءته، وتراءى له انحرافه بثورته في كهوف إخوانية ومذهبية ضيقة.

وظهر له تحالفاته المريبة بحماته الأقوياء في واشنطن، وحراسته لأمن أصدقائه الأوفياء في تل أبيب، لكنه بالعناد الغبي وبأوهام القوة بالضوء الأخضر، وبالتهديد بالعنف والإرهاب أبي وأستكبر، قائلاً لن أريكم إلا ما أرى! فلم ير إلا الطوفان البشري الأكبر فتحقق السقوط الأكبر!

في الوقت الذي يعيد فيه الشعب المصري العظيم بهذا الطوفان كتابة التاريخ لوطن عربي بأسره، وشرق إسلامي بكامله بما أحدثه من زلزال ثوري هائل سوف يكون له من التوابع والارتدادات ما سيغير الكثير من ملامح مشوهة لا هي وطنية ولا هي عربية ولا هي إسلامية، صنعتها المشاريع الصهيو أميركية المتوالية تنصيب إسرائيل القوة الوحيدة في هذا الشرق.

ولهذا حينما سمع العالم مشاهد الجماهير الملايينية الهادرة والمبهرة، وسمع الشرق دوي السقوط القوي في "القاهرة" اهتزت بعض العواصم المغامرة مع القوى الاستعمارية الغابرة السائرة باتجاه مشاريعها التقسيمية الجديدة الطائفية والمذهبية والعرقية لإعادة السيطرة على مقدرات هذا الشرق العربي الإسلامي وإعادة صياغته وصهينته بكل أدوات الكهنة وبكل ألاعيب السحرة!

وبينما يطل الفجر الوطني المصري من جديد على الشعب السعيد بحراسة جيشه العتيد حلماً بالوطن الجديد، أبت القوى التي كانت "متمكنة" في الداخل وتوهمت أن تحقق لها السيادة وظنت أنها غنمت أكبر دولة عربية وأهم دولة إسلامية بشعبها العريق الذي شاد أمجد الحضارات الإنسانية، وحقق أعظم الانتصارات التاريخية، وظنت أنها قد فتحت الطريق لخلافة المسلمين.

ورفضت القوى الحالمة بالسيطرة على شرق أوسط جديد بعد تقسيمه بالقلم والمسطرة بخطط الفوضى والفتنة والمؤامرة، في العواصم المستكبرة التي شعرت بالدوار والمخاطرة من واشنطن إلى تل أبيب مروراً بأنقرة، التسليم بالواقع المصري الجديد وما ينذر به من توابع للزلزال في الدولة الخضراء وفي الدول المجاورة، وأيضاً في "جنوب دندرة" حيث الجماعة حاضرة كي تمنع الطوفان المصري من أن يحاصره لعلها تخمد إرادة الشعب الثائرة وتستعيد كراسي السلطة الطائرة!

ولتبرير المغامرة الخارجية الفاشلة، خرجت الأبواق الدعائية المثيرة عبر موجات قنوات الجزيرة الناطقة بالعربية وأخواتها في واشنطن الناطقة بكل اللغات الغربية تصرخ بكل الفحيح والضجيج مستنكرة ومستكبرة في محاولة لإثارة الزوابع بمعونة كل التوابع في المنطقة.

صاحو انقلاب.. وكأن ما حدث في 30 يونيو تحت سمع الدنيا وكل أبصارها لم يكن ثورة.

فخرج الشعب ليؤكد أنها ثورة، فأغمضوا العيون وقالوا بل انقلاب في محاولة لإرهاب الشعب المصري بحشود الإخوان والجماعات الإسلامية المتطرفة وهددوا إذا لم يتراجع الشعب عن ثورته من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والشرعية الحقيقية، فخرج الشعب من جديد يوم 7/7 في سابقة غير مسبوقة ليثبت للعالم أنها ثورة شعبية بكل مقاييس الثورة.. فأصموا السمع بل وألغوا العقول واستكبروا استكباراً قائلين بل انقلاب عسكري.

من هنا صحونا فجر الإثنين الماضي على وقع صوت "مجزرة"، أريقت بها دماء هادرة، ما بين معتديةُ غادرة، ومعتدى عليها طاهرة أمام مقر الحرس الجمهوري المصري، حيث شعر الموالون المحتجون الغاضبون والمكابرون في ميدان "رابعة" المواصلون بالليل وبالنهار منذ وقع الانهيار مقاومة الواقع الجديد فأرادوا إفساد فرح المصريين بمحاولة توريط العسكريين في الدم المصري مهددين الشعب والجيش المصري بالتفجير والتدمير بلا توقف إلا إذا استعادوا السلطة الضائعة وعاد مرسي إلى الكرسي!

وفي الداخل، وبينما حاولت بعض الأحزاب الموالية لحكم الإخوان الساقط بإرادة الشعب الشرعية وضع العصي في دواليب الإدارة المدنية الجديدة برئاستها المؤقتة لرئيس أعلى محكمة قضائية دستورية التي يمثلها المستشار عدلي منصور وبحماية الجيش المصري بقيادته الباسلة المتمثلة في القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسي، صحونا فجر الثلاثاء مع إصدار أول إعلان دستوري جديد محدداً خارطة المستقبل في شكل مواد محددة حول الدستور الجديد والبرلمان المنتخب الجديد والرئيس المنتخب الجديد في جدول زمني محدد المواعيد.

والآن بعد أن أسقط الشعب المصري الاستبداد السياسي والاستبداد باسم الدين ويتحرك الآن على المسار الديمقراطي نحو مجتمع جديد، يحق للشعب المصري الصابر أن يتطلع إلى المستقبل، واثقاً من قدرته على إعادة صنع الحياة على أرضه بالجهد والعرق بالحرية والحق، بالكفاية والعدل،.

منطلقاً برعاية الله وعونه وهداه نحو مستقبل جديد، واثقاً من قدرته على تجاوز كل التحديات مثلما واجه ما هو أعتى وأصعب على مدى خمسة آلاف سنة من تاريخه المجيد منتصراً في كل معاركه الكبرى، لا يخيفه العدوان ولا يرهبه الإرهاب، حتى أصبحت مصر مقبرة الغزاة، وبعون الله ستكون أيضاً مقبرة الإرهاب..

في النهاية فرض الشعب إرادته الحرة واندفع الطوفان الشعبي الهادر ليفرض المراجعة على كل عواصم المنظومة الإخوانية التي اهتزت وشعرت بالدوار خوفاً من "تمرد" أو "ثورة" بعد نجاح الثورة الشعبية المصرية، وسار الطوفان في طريقه مكتسحاً كل السدود، قائلاً ليكن انقلاباً أو ثورة لا يهم، فهو في النهاية فعل شعبي لا عسكري فإن لم يكن ثورة شعبية فهو انقلاب شعبي. وماذا يهم الاسم والوردة هي الوردة تحت كل الأسماء!

 

الأكثر مشاركة