رمضان ويوليو.. سيمفونية النصر والثورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطل علينا اليوم الجمعة الموافق العاشر من رمضان شهر الانتصارات، الموافق الخامس عشر من يوليو شهر الثورات، لنجد أنفسنا في لحظة مكثفة النور والضياء على موعد مع التاريخ الهجري والميلادي معاً.

نحن على موعد مع أيام الفتح والنصر في تاريخ العرب والمسلمين، يوم النصر الإسلامي بفتح مكة ويوم النصر العربي بنصر رمضان الذي يوافق اليوم في مصر وسوريا الذكرى الحادية والأربعين هجرياً بدعم كل العرب من الخليج إلى المحيط وهنا لا ينسى الشعب المصري ولا السوري مقولة زايد الخالدة «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».

يأتي شهر الانتصارات الهجري مع شهر الثورات الميلادي على موعد مع التاريخ، بدءاً من الاستقلال الأميركي عن الاحتلال البريطاني في الرابع من يوليو، ومروراً باستقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي بعد انتصار المقاومة الوطنية في الخامس من يوليو، وبالثورة الفرنسية التي أعلنت أول جمهورية في الرابع عشر من يوليو، وبالثورة العراقية في اليوم نفسه عام 58 التي حمت المنطقة العربية والإسلامية من الأحلاف الاستعمارية بخروج العراق من «حلف بغداد»!.

وانتهاء بأول ثورة عربية تحررية وحدوية نهضوية هي الثورة الأم المصرية في 23 يوليو بقيادة جمال عبدالناصر التي تطل علينا ذكراها الواحدة والستين بعد أيام، والتي قلبت المعادلات التقليدية فجعلت الشعوب في موقع الهجوم ووضعت المستعمرين في موقع الدفاع حتى سلم بإرادة الشعوب وارتفعت رايات الاستقلال وبقيت إلى اليوم بمبادئها وتجربتها وبشعبيتها وتقدميتها وبانتصاراتها بل وبانكساراتها تجربة حية وملهمة لكل الثورات الشعبية المصرية في 25 يناير و30 يونيو وعربياً وعالمياً..

وحينما نطل اليوم على المشهد العربي الذي يحتفل فيه الشعب والجيش العربي في مصر، والشعب والجيش العربي في سوريا بانتصار العاشر من رمضان على الاحتلال العدواني الصهيوني، وهما اللذان خاضا معاً حرب يونيو عام 67 واقتسما معاً مرارة الهزيمة.

وخاضا معاً على جبهة القناة المصرية وجبهة الجولان السورية حرب أكتوبر عام 73 واقتسما معاً حلاوة النصر بدعم عربي وسلاح روسي، وعندما نستعيد شريط المشاهد التاريخية التي سبقت العاشر من رمضان المجيد، والذي يحقق فيه الشعب والجيش المصري أعلى إراداته بأغلى ثوراته الشعبية في 30 يونيو الماضي.

ويخوض فيه الجيش العربي السوري أخطر معاركه حفاظاً على وحدة الدولة السورية واستقلالها ضد هجمة القوى الغربية ندرك دون عناء أن مشهد الاحتفال الحالي بالنصر سبقه العديد من المعارك والانكسارات والثورات بين قوى التحرر العربي وقوى الاستعمار الغربي..

ذلك أن القوى الاستعمارية التي تمردت عليها الثورة المصرية وتحدتها وانتصرت عليها في العديد من المعارك لم تغفر للثورة انتصاراتها في العديد من معارك الاستقلال والحرية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ورفض الأحلاف والتبعية.

فكان عدوان الحلف الصهيوأميركي على مصر وسوريا والأردن عام 67 واحتلال سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الفلسطينية، ولأن شعوبنا رفضت الهزيمة وصممت على النصر، فلقد استطاعت عبور الهزيمة العسكرية وتحقيق أكبر نصر عسكري على الجبهتين المصرية والسورية، وقهرت جيوشنا الباسلة الجيش الصهيوني «الذي لم يكن يقهر»، في مثل هذا اليوم الخالد. فوقعت الهزيمة عليه كالزلزال.

ولم تكن حرب أكتوبر آخر الحروب بما تلاها من حروب صهيوأميركية انتقامية، خطط لها في العام 74 التالي للحرب بمخطط «برنارد لويس» الأميركي لتقسيم الشرق لكي لا يتكرر نصر عربي ولا هزيمة إسرائيلية، وما تلاه من خطط انتقامية وتقسيمية أخرى، وذلك بإشعال الحروب الداخلية للانتقام من الجيوش العربية التي شاركت في هزيمة إسرائيل، ولإعادة تقسيم الوطن العربي بالفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والسياسية، لتبقى إسرائيل هي الأقوى تحت الهيمنة الأميركية.

وبينما أهملنا نحن دروس النصر عام 73، تعلم العدو الصهيوني وحلفاؤه درس الهزيمة من حرب رمضان، فوضع خططه لتفكيك وحدة العرب، وأطلق مؤامراته لتقسيم الأوطان، وأشعل الفتن الأهلية لاستنزاف الجيوش العربية خصوصاً المصرية والعراقية والسورية التي تشكل السد العالي في وجه المعتدين، فنجح حتى الآن في تدمير الجيش العراقي والليبي وفي استنزاف الجيش السوري، وما زال يحاول مع الجيش العربي المصري الوحيد الباقي، لكنه مازال يرتطم بالسد العالي المصري المتمثل بالوعي الشعبي والسياسي والعسكري.

وبينما حاول الرئيس الإخواني المعزول بأمر الشعب المصري، توريط الجيش المصري في الحرب ضد سوريا تحت أعلام مذهبية قائلاً: «إن ساعات الأسد باتت معدودة تنفيذاً لخطة أوباما الأميركية»، رد الرئيس الروسي قائلاً: «إن سقوط الرئيس المصري بات هو الأقرب وقوعاً من سقوط الرئيس السوري»، وتحققت نبوءة بوتين وفشلت محاولة أوباما بقيام ثورة يونيو المصرية التي أسقطت مرسي وحكم الإخوان.

وهذا هو الدرس الذي تعلمه الشعب المصري من كوارث المؤامرة الصهيوأميركية على جبهات متعددة في الأمة العربية والإسلامية، فاستطاع بوحدة الجيش والشعب أن يسقط بثورة يونيو الشعبية حكم الإخوان في مصر، أهم أدوات المؤامرة، ليقوض بذلك الاستراتيجية الصهيوأميركية لتوظيف الثورات العربية باسم «الربيع العربي» لتصعيد الإخوان للحكم في تونس ومصر وليبيا وسوريا وصولاً لإعادة رسم الخرائط العربية.

ولذلك، فإن الاحتفال الحقيقي بالنصر هو بوحدة الشعب والجيش معاً لحماية الوطن المصري والعربي من الأعداء وليس بالاقتتال الأهلي تحت كل العناوين خدمة للأعداء، وبعدم السقوط في فخ المؤامرات للوقيعة بين العرب والمسلمين، أو بالفتنة بين شعوبنا وجيوشنا، وإنما وبوحدة القوى العربية وخاصة المصرية والسورية لإفشال المؤامرة التي باتت مكشوفة على الأمة كلها، ولهذا لا نقبل لشركاء النصر الأشقاء التحول اليوم إلى أعداء، أو التحالف مع الأعداء ضد الأشقاء في خدمة مجانية مدفوعة بالدماء لكل الأعداء!

في سيمفونية النصر والثورة، كل الإكبار للشهداء الأبرار ولقادة وجنود حرب رمضان الأبطال، والتحية للرجال على كل الجبهات المتفجرة المتصدين لمؤامرات ما بعد رمضان الهادفة لتكرار هزائمنا وإجهاض انتصاراتنا.

 

Email