المجتمع الدولي وازدواجية المعايير

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما كان المواطن البريطاني المسلم الصومالي الأصل "مهدي حاشي" يقضي إجازته خارج الجزر البريطانية في "مقديشو" مسقط رأسه، حيث تقيم زوجته وابنه، قامت وزيرة الداخلية البريطانية "تيريزا ماي" بحرمانه من الجنسية البريطانية، ومن كافة حقوقه كمواطن بريطاني، وقالت الصحف البريطانية إن وزيرة الداخلية استخدمت قانوناً لا يعرفه الكثيرون في البلاد، يمنحها الصلاحية لحرمان أي مواطن من حقوق المواطنة دون حاجة لحكم قضائي، إذ يتهم "حاشي" بالتورّط في نشاطات إسلامية متطرفة وأنّه يمثّل خطراً على الأمن القومي لبريطانيا، فيما لم تجد الداخلية البريطانية تبريراً سوى "الصالح العام".

مثل هذه القوانين والتصرفات تثير حفيظة المجتمع الدولي والناشطين في مجال حقوق الإنسان، حول التزام الدول الكبرى بحقوق ومعايير الاتفاقيات الدولية، بل إن أغلب المنظمات الدولية الناشطة في هذا المجال لا تلتفت لحجم الانتهاكات التي يعانيها المواطنون في بعض الدول الكبرى، رغم أن هذه الانتهاكات قد تصل أحياناً إلى حرمان المواطن من حقوق المواطنة والزج به في غياهب السجون لمجرد الشك.. فقط بمجرد الشك، يعتبر "حاشي" حالة من بين آلاف حالات الانتهاك الصارخة التي تمارسها الدول الكبرى في حق رعاياها بداعي "الأمن القومي".

تقول المادة (12) من الإعلام العالمي لحقوق الإنسان، ما مضمونه "لا يُعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون له من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات"، وبهذا يكون القانون الدولي مادة مطاطة في أيدي الدول الكبرى، ففي منتصف التسعينات طلب البيت الأبيض من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تصميم برنامج قانوني للقبض على أي أحد في أي مكان على وجه الأرض، بناءً على تعليمات الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، ومستشاره للأمن القومي ساندي بيرغر، والرجل الأول لمكافحة الإرهاب ريتشارد كلارك.

كنا نظن أن معسكر "أشعة إكس" نهاية القصة، فقط مجرد رد فعل وإن كان قاسياً، خارج الحدود الجغرافية والقانونية على حدث هزّ العالم كله في عام 2001، كنا نظن حتى علمنا أن هذا المعسكر مجرد واجهة تشبع شغف المصورين ليس إلا، فالقصة لم تكن بحاجة إلى الحادي عشر من سبتمبر لكي تكتمل، فالسجون السرية وسياسة الاعتقال التعسفي كانت عبارة عن سياسة عمل بالنسبة للدول الكبرى، وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولم يستطع أحد أن ينطق بكلمة واحدة.

فالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية مجرد سيف من خشب بالنسبة للدول الكبرى، لكنه على النقيض قانون ملزم بالنسبة للدول الأخرى، وكذلك الحال مع المنظمات والجمعيات الدولية التي تتحدث باستهجان عن وضع حقوق الإنسان في الدول النامية، وخاصة دول الشرق الأوسط، ولا تكاد تدين هذه الانتهاكات حتى تُصنّف بأنها منظمات تدعم الإرهاب.

فبعد أحداث سبتمبر قامت الإدارة الأميركية بإغلاق الكثير من منظمات المجتمع الدولي وضيّق على بعضها بمجرد أن تفتح ملف "معتقل غوانتنامو"، وفي الوقت نفسه تقوم الخارجية الأميركية بإصدار التقارير تلو الأخرى التي تدين بعض الدول في مجال حقوق الإنسان، في تناقض واضح!

ففي 19 إبريل أصدرت الخارجية الأميركية تقريرها السنوي حول وضع حقوق الإنسان في العالم، وقالت في التقرير إن "أهم ثلاث مشكلات في مجال حقوق الإنسان في الإمارات هي الاعتقالات التعسفية، والحجز الانفرادي، وفترات الاعتقال الطويلة التي تسبق المحاكمات، والحدود المفروضة على الحريات المدنية"، وأشار التقرير كذلك "إلى مشكلات أخرى، بما في ذلك التقارير عن قسوة الشرطة وحراس السجون"، وتحدثت الخارجية الأميركية أيضاً عما قالت إنه نقص في الشفافية، واستقلالية القضاء، رغم "أن التقارير عن وجود حالات فساد محدودة".

المثير للاستغراب أن كل التهم التي أوردتها الخارجية الأميركية ضد الإمارات، تنطبق بشكل غريب على وضع حقوق الإنسان في أميركا وعلى سجن "غوانتنامو" بشكل خاص، فهناك أشخاص تم اعتقالهم ولم تصدر ضدهم أي تُهم واضحة، وحالات الاعتقال كانت بشكل تعسفي وتم ترحيلهم من بلد إلى آخر، وأنهم يقبعون في سجون انفرادية وليس لهم الحق في الترافع أمام القضاء، بل إن أغلبهم تنكر السلطات الأميركية تواجدهم في "غوانتنامو".

 وعلى الطرف الآخر، مثل أمام القضاء الإماراتي 94 متهماً بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم وتأسيس وإنشاء تنظيم سري يهدف للنيل من نظام الحكم في البلاد، والاستيلاء على السلطة، والغريب أن هؤلاء تمت محاكمتهم بكل شفافية، وبحضور الإعلام وممثلي جمعيات المجتمع المدني، وقد سمح لهم بتعيين محامين وأعطيت لهم كافة حقوقهم، ويُعرف مكان احتجازهم وسمح لذويهم بزيارتهم والاتصال بهم، واعترفوا بأنفسهم أن معاملتهم من قبل السلطات الإماراتية كانت إنسانية، لكن ماذا عن "معتقلي غوانتنامو"؟

من الواضح أن لا شيء واضح!

ومضة: الأمم المتحدة: القضاء الإماراتي قوي ونزيه وبوصلته إعلاء الحق والعدالة.

Email