سقط الإخوان في مصر بأسرع مما يتوقع أو يتخيل خصومهم، ولهذا السقوط أسباب متعددة، ومعظمها يعود إلى طبيعة الإخوان أنفسهم، وإلى أخطاء جوهرية ارتكبوها منذ أن وصلوا إلى السلطة وحتى سقوطهم. فالإخوان تصوروا أن الشرعية مفهوم هلامي لا يجب أن تسنده قوى على الأرض، أي أن تكون هناك مؤسسات ترضى بهذه الشرعية وتسندها وتشرف على تحقيقها.

 فالحاصل أن الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، سعى إلى بناء دولة استبدادية من دون أن يسند ذلك بحقائق على الأرض، فلم تكن معه لا مؤسسات القمع المادي؛ أي الجيش والشرطة والقضاء، ولا مؤسسات القمع المعنوي؛ أي الإعلام. وهذا الأمر يعني أن هناك قصوراً كبيراً في فهم الإخوان لطبيعة الحكم وعمل الدولة.

وكلنا يعرف أن الدول الاستبدادية الكبرى قامت أولاً على تحقيق إنجاز اقتصادي لصالح شعبها، جعل الأخير يستغني عن الحرية مقابل الحياة المعيشية المتوازنة.. حدث ذلك في إسبانيا فرانكو، وبرتغال سالازار، ومعظم دول أميركا اللاتينية في عصور الحكم العسكري الفاشي، وفي إيطاليا موسوليني، وألمانيا النازية..

لكن محمد مرسي أراد تأسيس استبداد من دون سند من قوى مادية أو معنوية، وأيضاً من دون أي إنجاز اقتصادي له، بل ما حدث هو العكس حيث تراجعت الظروف المعيشية للمواطن المصري خلال حكم مرسي، وتجلى ذلك في ارتفاع واضح لمعدلات التضخم والبطالة، وتراجع مستوى الجنيه المصري، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلاً بالطبع عن اختفاء مواد أساسية مثل الوقود، وتراجع الخدمات خاصة الكهرباء التي كان انقطاعها هو القاعدة وليس الاستثناء.

وزاد من كل ذلك أن الإخوان لم يفهموا جيداً الطبيعة الوسطية للشعب المصري، حيث كانت تحالفاتهم الحقيقية مع قوى تيار السلفية الجهادية المتشدد دينياً، وفي الوقت نفسه الذي ارتكب رموزه جرائم عنف متعددة في سنوات الثمانينات والتسعينات، الأمر الذي صنع حاجزاً كبيراً بين أفراد الشعب وهذا التحالف الحاكم.

وزاد من حدة هذا الأمر، أن الإخوان لم يسعوا إلى التحالف مع القوى المدنية، سواء أكانت ليبرالية أو يسارية، وإنما تحالفوا بالفعل مع قوى إسلامية أكثر تشدداً، مثل الجهاديين الذين لم ينس لهم المجتمع المصرية أعمالهم العنيفة والإرهابية في تسعينات القرن الماضي، ولم يستطع أن يتكيف مع تفسيراتهم الحالية للدين الإسلامي.

حيث طرح بعضهم رؤى عدائية للأقباط، وطالب آخرون بهدم الأهرامات، وسعى قطاع منهم إلى إعادة الخلافة الإسلامية، وكل ذلك اصطدم مع الطبيعة الوسطية للمواطن المصري العادي، الذي خرج في 30 يونيو لوقف انحدار الأوضاع إلى أكثر مما وصلت إليه.

زاد من ذلك أن الإخوان لم يفهموا جيداً ما حدث من تغييرات على ثقافة الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير، وتصورا أن ما حدث من تبدل في شخصيته كان طارئاً، وهو الخروج عن السلبية، واعتماد الحشد والاحتجاج على ما لا يوافق عليه من قرارات أو إجراءات.

وهذا هو الذي دفع المصريين إلى الاحتجاج الذي كان عنيفاً في بعض الأحيان، على محاولات أخونة مؤسسات الدولة، لأن ذلك يتنافى مع تنوع الشخصية المصرية المكونة من طبقات حضارية متنوعة ومتناغمة.

والتي ترفض أن يسيطر اتجاه واحد على الدولة، وهذا الأمر ينطبق بالذات على الأقاليم خارج العاصمة، التي يلعب البعد العائلي والقبلي دوراً مهماً فيها، ووجد أبناء القبائل والعائلات أنفسهم مستبعدين تماماً من كل المناصب المحلية، لمصلحة الإخوان المسلمين، وكل ذلك فضلاً عن أنه أكد أن رئيس الجمهورية ليس رئيساً لكل المصريين، فإنه زاد من الاحتقان السياسي والاجتماعي في الريف المصري.

والذي زاد من حدة الاحتقان أكثر، أنه على الرغم من حركة الأخونة المتسارعة، لم يكن لدى الإخوان أي برنامج أو رؤية متكاملة للتعامل مع المشكلات الحياتية واليومية للمواطن العادي، الذي لم يشعر فقط بأن الأوضاع تتأزم وتسير نحو الأسوأ.

وإنما لم يجد أية بارقة أمل في أن يكون هذا التراجع مؤقتاً أو لفترة محددة من الزمن، بما أعطى له الانطباع بأن الأحوال المعيشية لن تتحسن في وجود هذا النظام، وبالتالي فإن إسقاطه هو الذي يمكن أن يحسن من الأوضاع المعيشية، وهذا ما ساعد على زيادة أعداد التجمعات البشرية التي خرجت لإسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي.

ومن الأسباب الرئيسية لسقوط الإخوان المسلمين في مصر، أنهم كانت لديهم تقديرات مبالغ فيها عن أنفسهم، فهم تصوروا أن إمكانياتهم والقوى البشرية التي لديهم تستطيع التعامل مع المشكلات التي يمر بها المجتمع المصري.

وبالتالي ليست هناك أيه حاجة للاستعانة بكفاءات من تيارات أخرى، أو حتى من البيروقراطية المصرية التي تمتلك مفاتيح المؤسسات، وظنوا أن الشعب المصري سيقبل أي نموذج للحكم وأي أداء من الإخوان، باعتبار أن الروح الثورية لدى الجماهير قد أنهكت، وبالتالي لن تكون هناك أية مقاومة لأية انتهاكات يقومون بها أو أي سوء في الأداء.

وما حدث هو أنهم وجدوا أن الثورة في مواجهتهم كانت أكثر اشتعالاً عما كانت عليه في مواجهة نظام الرئيس حسني مبارك، وقد مثل ذلك مفاجأة لهم لم يحسنوا التعامل معها، لأنهم ارتكبوا المزيد من الأخطاء وهم يتعاملون معها بما أدى في النهاية إلى إسقاطهم عن الحكم.

وجاء تعاملهم مع مرحلة ما بعد سقوط حكمهم، لتنزع عنهم أي تعاطف أو شرعية مجتمعية، بما يعني أنهم لن يعودوا إلى الحكم أو حتى المشاركة فيه، في المديين القريب أو المتوسط، واستمرارهم كتنظيم يتطلب المزيد من المراجعات وإعادة الهيكلة، حتى يتقبلهم المجتمع مرة أخرى بعد ما ارتكبوه من عنف ومن محاولات لبث الفوضى ما زالت مستمرة حتى الآن.