يسرني أن أتنفس مجددا هواء نيويورك الحار والرطب، والرائع، مع ذلك، لموازاته لسطح البحر، نظرا لأنني عدت لتوي من مهرجان آسبن للأفكار. لقد كان هناك، كالعادة، العديد من المتحدثين البارعين، ولكن إحدى الخطب التي أصبحت حديث المهرجان ألقتها نانسي كوهن، وهي أستاذة في كلية هارفارد لإدارة الأعمال.

رغم أن كوهن تدرّس في كلية إدارة الأعمال تلك، فإنها في الواقع مؤرخة، وقد كان خطابها، الذي حمل عنوان "قيادة الأزمات: دروس لهنا والآن"، حول الدروس التي يمكن تعلمها عن القيادة من تجارب الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن والمستكشف إرنست شاكلتون. وكانت تلك الخطبة مؤثرة بصفة خاصة في ضوء بدء العالم بالتركيز على قيادة نيلسون مانديلا، مع متابعة مستمرة لصحته أثناء رقوده في حالة حرجة في أحد مستشفيات جنوب أفريقيا.

وكان الموضوع العام لخطبة كوهن هو أن القادة يستطيعون إيجاد "أنفسهم الأفضل والأقوى في خضم أزمة كبيرة". ويشتد البحث عن قيادة فعالة بشكل خاص الآن نظرا لأن الاضطراب، على حد تعبير كوهن، أضحى "الوضع الطبيعي الجديد."

وفي هذه الحقبة من تفوق البيانات الكبيرة، فإننا ندرك ببطء أن المعلومات الأولية لا تحل الكثير من المشكلات. وما نحتاج إليه، حسب قول كوهن، هو الحكمة، لأن "المعلومات ... لا توازي المعرفة، والمعرفة لا توازي الفهم، والفهم لا يوازي الحكمة".

فما هي الدروس التي قدمها لينكولن ومانديلا، وهما الرجلان اللذان برعا في مساعدة دولتيهما على تجاوز حدود الأنانية والضعف؟ أحدهما أنهى حربا أهلية، والآخر حال دون اندلاع حرب مماثلة. وكلاهما، في نهاية المطاف، وحدا دولتيهما المنقسمتين.

وتقول كوهن إن أحد أهم جوانب شخصية لينكولن يتمثل في "الكيفية التي استخدم بها درايته الخاصة بنفسه لينمو ويقود ويحدث تأثيرا". وهي تروي قصة لينكولن حين كان يتعلم، بصفته محاميا شابا، كيف يغدو متحدثا جيدا. فهو، بعد بدئه في ممارسة القانون، افترض أنه سيتمكن من إقناع هيئة المحلفين اعتمادا على قدرته الكلامية وحدها.

غير أنه سرعان ما أدرك أن ذلك لم يكن كافيا، فالأمر يحتاج لقدر أكبر من الصرامة والتركيز وترتيب الأولويات. ولذا، وكما قال لطلاب القانون الذين كان يدرسهم، فقد أصبح يركز حجته على أهم نقطتين أو ثلاث بالنسبة لقضيته، ويصب كامل تركيزه عليها. وكانت قدرته تلك على رؤية مواطن قوته وضعفه من الخارج وإجراء التعديلات اللازمة لا تقدر بثمن.

وتلك القدرة على أن نخرج من أنفسنا ومن الاضطراب السريع الذي يشهده الوقت الحالي تزداد صعوبة، ليس فقط بالنسبة لقادتنا، وإنما بالنسبة لنا جميعا. إذ أننا، في كثير من الأحيان، وكما تقول كوهن، نريد أن نجد الخلاص في أدوات خارجية، في الاعتقاد بأننا نستطيع تعهيد مسؤوليتنا وحكمتنا للتكنولوجيا.

ولكن ذلك ليس هو الحل. فالأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا، حسب قول كوهن، "ولكنه يتعلق بالجوهر إنه يتعلق بمركز هويتك البدنية والعاطفية." ودولتنا "متعطشة جدا للأشخاص الذين يتسم جوهرهم بالقوة." ويمثل لينكولن ومانديلا مثالين واضحين على قادة لم يكن جوهرهم المعنوي قويا فحسب، ولكنه ازداد قوة مع اشتداد الاضطرابات من حولهم.

وليس الأمر كما لو أنهما لم يواجها شكوكا ومخاوف بشأن المسار الذي اتخذاه، وبشأن عواقب قراراتهما.

وبالمثل، فإن مانديلا، هو الآخر، لم يسلم من الخوف. ولكن كلا القائدين نجحا في تجاوز ما تسميه كوهن ب"أرضية الشك المتزعزعة" دون أن يقعا من عليها.

ولا تواجه الولايات المتحدة حاليا لحظة حياة أو موت واضحة كتلك التي واجهتها خلال الحرب الأهلية، أو تلك التي واجهتها جنوب أفريقيا عندما شرعت في تفكيك نظام الفصل العنصري في عام 1990. ولكننا ما زلنا نعيش ما تسميه كوهن باللحظة المضطربة.

إذ أننا لم نزل نعاني من ارتفاع كارثي في معدل البطالة، ولم نزل نواجه ما يصل إلى عقد من ذلك الارتفاع قبل أن نبلغ ما يقرب من العمالة الكاملة. والوظائف التي يجري إنشاؤها هي أقل أجرا من أن تدعم أسرة كاملة. ومخاطر اللحظة الراهنة بالنسبة للطبقة المتوسطة واستمرار الحلم الأميركي هائلة - ولكن هل تم تأطير تلك المخاطر تأطيرا كافيا؟

لم يتسن للرئيس الأميركي باراك أوباما، حتى وقت قريب، أن يقابل مانديلا شخصيا. ولكن الدروس المستفادة من قيادة مانديلا سوف تصبح جزءا من التاريخ، شأن الدروس التي قدمتها قيادة لينكولن. إنهما رجلان مختلفان للغاية، ولكنهما اشتركا في الصفات التي نحتاج إليها في القرن الحادي والعشرين.

وكما قالت كوهن في ختام خطابها، فإننا: "نحتاج إلى عضلات شجاعة معنوية، ونحتاج إلى إبرازها، ونحتاج إلى إيجادها، كما نحتاج إلى مساعدة الآخرين على إدراكها وإيجادها داخلهم. إننا لا نحتاج إلى أكثر من ذلك، ولا شيء أقل من ذلك سوف يفي بالغرض في هذه اللحظة من الاضطراب العظيم، والوعد العظيم، والخطر العظيم."

 

رئيسة تحرير صحيقة " هافينغتون بوست " الأمريكية