أزمة «الإخوان» والأميركان.. بين حلّين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يهل علينا عيد الفطر المبارك هذا العام بخيراته، بعد وداع شهر رمضان الكريم ببركاته، والصورة غير الصورة في عام مضى بظلاله القاتمة وأضوائه الشاحبة، بينما عام جديد يطل بمشاهد جديدة أكثر إضاءة وأكثر أملاً في تغيير حقيقي للمشاهد الكابوسية الماضية، سواء عند المصريين أو العرب أو المسلمين، رغم كل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجههم.

فمصر اليوم بعد امتلاك إرادتها واستعادة ذاتها بالثورة الشعبية في 30 يونيو الماضي، ومع بداية إعلان جمهوريتها الثالثة في 3 يوليو الماضي، دخلت مرحلة تاريخية جديدة وصنعت واقعا وطنيا جديدا، بآثاره القومية والإقليمية المؤثرة، بما أفشل المشروعات الصهيو أميركية، وأربك الاستراتيجيات الأطلسية والغربية للمنطقة العربية والإسلامية التي أرادت الهيمنة عليها، تحت عنوان خادع هو "الربيع العربي".

حاولت فيه بنظرية "الفوضى الهدامة" إعادة رسم خريطة الدول العربية الأساسية المواجهة لإسرائيل، باستغلال الأوضاع العربية المأزومة، وتحريك التناقضات السياسية والمذهبية والعرقية والطائفية الموهومة، وتفجير الموجات الثورية الشعبية رفضاًً لهذه الأوضاع.

وتحت مظلة ذلك الربيع الزائف، حاولت تصعيد أدواتها من "الإخوان المسلمين" إلى الحكم انتخابياً، لتحويل الربيع العربي إلى "ربيع غربي" عبر "شتاء إسلاموي"، لكن الزلزال الشعبي المصري الذي أسقط حكم الإخوان أفسد تدبيرهم.

وكان لهذه الصدمة الثورية المصرية وما واكبها من حراك شعبي عربي ضد حكم الإخوان المسلمين في تونس وفي ليبيا وفي السودان، فضلاً عما يجري في سوريا، أكبر الأثر في ارتباك ردود فعل أطراف هذا الحلف غير المقدس للإخوان وأشياعهم في الداخل، والأميركان وأتباعهم في الخارج. وبدلاً من استيعاب الصدمة والاعتراف بالواقع الجديد والتعامل معه بأساليب جديدة، والاستفادة من تجاربهم التاريخية مع ثورة يوليو المصرية، أعادوا تكرار نفس الأخطاء، والأرجح أنهم لن يحصدوا إلا نفس النتائج!

وبينما نسي الأميركان فشل محاولاتهم لمنع تسليح الجيش المصري وسعيهم لحصار مصر اقتصادياً بوقف تمويل السد العالي، وكانت النتيجة تحول مصر إلى الرد بصفقة الأسلحة الروسية، والاعتراف بالصين الشعبية وتأميم قناة السويس.. نسي الإخوان تجربتهم مع الزعيم جمال عبد الناصر حينما رفضوا المشاركة واختاروا المغالبة والسطو على ثورة يوليو، وجربوا معه أسلوب العنف والإرهاب عام 1954، فكانت النتيجة حل جماعتهم وتفكيك تنظيمهم واعتقال قياداتهم، وخسران الوجود السياسي لعشرين عاماً.

واليوم بعد ثورة يونيو الشعبية، بدا لنا جميعا أن الإخوان والأميركان نسوا دروس الماضي وظهروا أقل وعياً وعقلانية ونضجاً وذكاء،.

بينما الشعب المصري غدا أكثر حرية وثورية ووعياً وإرادة، فحاول الطرفان بكل الوسائل التصدي للطوفان الشعبي المصري، بدعوى الشرعية وبمحاولة وصم الثورة الشعبية الملايينية بالانقلاب العسكري، وأخيراً بمحاولة إثارة العنف والفوضى وقطع الطرق وترويع المواطنين، وبإعلان العداء للجيش والاشتباك مع الشرطة وتحريك الإرهاب في سيناء، في محاولة لتصدير صورة الانقسام والأزمة للاستقواء بالخارج.

وزاد من حالة العصبية والعناد لدى قيادات الإخوان، خيبة آمالهم الشديدة في الغرب وفي الخارج الذي كانوا يراهنون عليه لإعادتهم إلى الحكم، بعد إدراك حقيقة الواقع المصري والتسليم بأنها ثورة شعبية وليست انقلاباً كما يزعمون، وأصبح كل هم الغرب بعد ذلك هو محاولة إنقاذ حلفائهم بدفع القيادة المصرية الجديدة إلى عدم التصدي لهم بالقوة لفض اعتصاماتهم، لإنقاذ الجماعة من الانتحار أو مواجهة مخاطر العزلة والاختفاء من المشهد السياسي!

وتحركت الوفود الأميركية والأوروبية والإفريقية، لا للعودة بالأوضاع إلى ما قبل 30 يونيو كما كان الإخوان يتوهمون، وإنما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا هذه الجماعة التي رفض الشعب حكمها، إدراكاً منها لاستحالة العودة إلى الوراء.

ومع شعور الجماعة بالصدمة والحسرة الفاجعة على ضياع حلمهم بحكم مصر، بسبب استئثارهم وتسلطهم وسوء أدائهم وفشلهم السياسي والاقتصادي وتجاهلهم للإرادة الشعبية، فلقد ازداد غضبهم الذي أعماهم عن القدرة على رؤية الواقع المصري الجديد وإدراك حقائقه، وبالتالي ازدادت مطالبهم غير المعقولة وشروطهم غير المقبولة. وبدلاً من إنقاذ ما تبقى لهم بالمشاركة السياسية، أصروا على التهديد والوعيد، بما قد يفوت عليهم فرصة الخروج من مأزقهم دون خسائر مؤلمة أو بأقل الضررين!

ومع إدراك الوفود الخارجية أنه لا جدوى من محاولات إقناع الجماعة بالعقلانية السياسية، ومع تصاعد الرفض الشعبي والسياسي والإعلامي لما اعتبروه تدخلاً خارجياً في شأن مصري يجب حسمه مصرياً بقوة القانون، تكون القيادة المصرية قد أبرأت ذمتها وأشهدت العالم على إصرار الإخوان وأشياعهم على المواجهة العنيفة والصدام مع الشرطة والجيش، وبالتالي تحميل الجماعة مسؤولية أي ضحايا تسقط أو دماء تسيل، أو أضرار تصيب الوطن والمواطنين.

وفي الواقع ليس هناك انقسام في مصر، وإنما هناك جماعة تتحدى إرادة شعب، ومحاولة لتصدي دكتاتورية أقلية من لون واحد لديمقراطية أغلبية شعبية، كما أنه ليست هناك في الواقع أزمة وطنية أو دينية مصرية، وإنما أزمة سياسية وأمنية في مصر. والثابت لدى الجميع أن مواجهة الأزمة السياسية تتم بالوسائل السياسية، وأن مواجهة الأزمات الأمنية تتم بالوسائل الأمنية والسياسية والفكرية، وأن ما يمكن حله بالسياسة فقط لا داعي معه لاتباع الحلول الأمنية.

ولقد حاولت القيادة المصرية تغليب الحلول السياسية على الأمنية ومنحت الفرصة لذلك، رغم القلق الشعبي من جهود بعض وفود الخارج. ولا يظن أحد أنها فعلت ذلك عن ضعف، وإنما لعدم رغبة في استخدام القوة وهي قادرة، ولا عن خوف من الإخوان، وإنما من خوف على الإخوان وعلى غيرهم، وحقناً للدماء المصرية وتقديراً لحرمة إراقة الدماء.

لا مصلحة لأي مصري أو عربي أو مسلم في إضعاف مصر أو مواجهتها للفوضى، أو في انزلاقها إلى مستنقع العنف، وإذا كان هدف الثورة هو البناء فلا عائد من وراء الفوضى سوى الهدم، ولا نتيجة من الصدام سوى الدم، وهو ما لا يتمناه مسلم عاقل وطني أو ثوري مصري أو عربي.

 

Email