قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، "لا تعلموا أولادكم بطرقكم أو أخلاقكم، لأنهم خُلقوا لزمنٍ غير زمنكم". يحدق الطالب الذي لا يتجاوز عمره إحدى عشرة سنة إلى خارج باب صفه، لكي يهرب من محاضرة مدرسته ولو لبضع ثوانٍ. في المقابل، يضحك زميله الذي أيضاً لم ير الأهمية أو الرغبة في الانتباه إلى درس اليوم. تبدأ المُدرِسة بصراخها المعتاد وأقوالها المشهورة، التي تتضمن تهديدات للطلبة عن الفشل أو الرسوب في الامتحانات وأيضاً الحياة.

لم أستعر هذا المشهد من يومنا هذا، بل من التاريخ، فهذه كانت أنظمة التعليم في العصر الفيكتوري.. يؤسفني القول بأن التاريخ يعيد نفسه اليوم.

نواجه اليوم قضية عالمية وليست محلية فقط. الأنظمة التعليمية في الدولة لا تتكون فقط من مدارس حكومية، بل من مدارس ومناهج أجنبية، منها البريطانية والألمانية والفرنسية. نجد أول خطأ مرتكب من طرف الأنظمة التعليمية في أول يوم من الفصل الدراسي للصف الأول الابتدائي. يقول الفنان الشهير ليوناردو دافنشي إن كل طفل يولد مبدعاً، ولكن الصعوبة هي في المحافظة على هذا الإبداع عند الكبر.

في أول يوم من الفصل الدراسي، يبدأ الطفل بتلوين الرسمة التي أعطته إياها المدرسة، بكونه طفلا مبدعا، يتجرأ ويلون خارج الخطوط السوداء. تنبهه المدرسة بعد ذلك لأهمية الاقتداء بهذه الخطوط. في هذه اللحظة، يرى الطالب أن الطريقة الوحيدة لإرضاء الأنظمة التعليمية والمناهج والمجتمع.

هي بعدم التلوين خارج خطوطها. يترعرع هذا الطالب في صفوف تُعلم، ولو بطريقة غير مباشرة، أهمية الإنصات وعدم التعبير عن الرأي. إن اختلف رأي الطالب عن المنهج، يُحكم عليه، لصغر سنه، بعدم الفهم. يصر المدرسون على إقناع الطلبة بالرابط القوي بين الرسوب في الامتحانات والفشل في الحياة. هذا رابطٌ وهمي صُنِع من قِبل المدرسين أو المجتمع، لتخدير الفضول والشغف الطبيعي لدى الطلبة.

تثبت الإحصائيات حول العالم، أن الأنظمة التعليمية والمدارس تسعى إلى إنتاج المهندسين والأطباء والمحامين، وتهمل المبدعين والكتاب والفنانين، أو بالأحرى المفكرين. تجب تنمية كل أجزاء المجتمع، وليس جزءا منه فقط. كيف في إمكان هذه المدارس أن تمتحن آلاف الطلبة، ذوي العقول والميول المختلفة، بنفس الامتحان؟

تخيل أن تأتي بمجموعة من الطيور وتختبر نجاحها بإمكانياتها في السباحة! إن لم تسبح هذه الطيور فستحكم عليها أنت ومن حولك بالفشل. هذه الطيور ولدت لتحلق، وليس لتسبح، وهكذا جيلي. ولد جيلي لكي يحلق في السماء ويبدع، وليس ليُحكم عليه بالفشل. سوف تمر السنين وشباب اليوم سوف يصبحون قادة الغد. لقد ولدنا في وقت غير وقت آبائنا وأجدادنا، ومن حقنا أن نتعلم بطرق تناسب وقتنا وجيلنا.

قد يظن البعض أن وجود أحدث الأجهزة، كالحاسوب أو الآيباد في مناهجنا، يدل على تطور أنظمتنا ومدارسنا. ولكن هذه الأجهزة تُطور من أساليب التدريس، وليس من محتوى التعليم.

عندما كنت في الصف السابع، بدأت بكتابة قصة، فكان المدرسون يروني أكتب في منتصف الحصة. كنت أقول لهم إنني سأصبح كاتبة يوماً ما، وسأكتب هذا الكتاب لكي ينشر في مكتبات الدولة، فضحكوا علي ونصحوني بالتركيز على دروسي لأن أحلامي الساذجة لن تسهم في بناء مستقبلي.

كانت أحلامي لا تنتمي إلى إطار التفكير السليم الذي يسعى المدرسون لترسيخه في عقول الطلبة. إنني مع التعليم ومع العلم، لأنه الطريق الصحيح نحو مستقبل مشرق، ولكن يجب أن نرى مناهج ترعى متطلبات الجيل الجديد.

كنت أجلس في الصف وأرى منهجا يرمز إلى التفكير السليم، أو بالأحرى عدم التفكير. بعد ذلك، كنت ألتفت إلى خارج النافذة وأرى دولة ترمز إنجازاتها إلى الإبداع والتفكير المبدع.

مدينتنا ودولتنا وقاداتنا يسعون للإبداع وللإنجازات، ويحضون على المركز الأول في شتى المجالات، فلماذا مناهجنا ومدارسنا تحض على عكس ذلك؟