المسألة المصرية وصراع المواقف

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوماً بعد يوم تتضح لكل ذي عينين، أبعاد المؤامرة الدولية الغربية على مصر العربية، باعتبارها الجائزة الكبرى للمتآمرين الصهيو أميركيين وأتباعهم الأوروبيين على الأمة العربية والإسلامية، تحت العنوان الغربي "استراتيجية ثورات الربيع العربي" عبر أدواتهم الإخوانية، تطبيقاً للفوضى الهدامة في مصر والدول العربية والإسلامية.

وأسبوعاً بعد أسبوع تتأكد شعبية وشرعية ثورة 30 يونيو المجيدة، على الأرض المصرية، بينما تتآكل دعاوى الشعبية والشرعية للحكم الإخواني التي روجتها أجهزة الدعاية الغربية والتابعة لها، مع انكشاف الوجه الإرهابي غير الوطني وغير العربي أو الإسلامي للجماعة وأشياعها التكفيريين، سواء فيما شهدته الاعتصامات غير السلمية التي انفضت بقوة القانون بعد رفضها للحل السياسي.

أو في المظاهرات المسلحة العنفية التي تبعثرت بعدما قتلت وأحرقت وخربت، ترهيباً للإرادة الشعبية وتحدياً لسيادة القانون. ورغم كل الوضوح في وقائع ومكونات المشهد الثوري المصري، بكل شعبيته ومشروعيته، أوقعت الإدارة الأميركية نفسها وأتباعها من الحكومات الأوروبية وحلفاءها الإقليميين، في مأزق سياسي وأخلاقي خانق، بانقلابها في المسألة المصرية على شعاراتها الأخلاقية المزعومة ومواقفها السياسية المأزومة.

حينما زعمت أنها بمبادئها راعية الديمقراطية وحقوق وحريات الشعوب، وداعية الحرب على الإرهاب بالأمس، فإذا هي بمصالحها تكشف نفسها اليوم كمناهضة للديمقراطية ومناقضة لحقوق وحريات الشعوب، وراعية للإرهاب، فخسرت بحساباتها البراغماتية الخاطئة مبادئها ومصالحها معاً!

وتجلى هذا المأزق السياسي الفاضح بانقلابها اليوم تجاه ثورة 30 يونيو، على مواقفها بالأمس في ثورة 25 يناير. فبينما أيدت ثورة الشعب المصري في يناير وقالت إنها تعلم الشعب الأميركي، وأيدت تدخل الجيش لحماية إرادة الشعب بإسقاط حكم رئيس مستبد لم يقفز إلى الحكم بانقلاب، وضغطت عليه لدفعه للرحيل عن السلطة بغير الطريق الانتخابي، بل وأيدت محاكمته وسجنه.

ودعمت الإدارة الانتقالية العسكرية، ولم تصف ذلك بالانقلاب العسكري.. ظهرت اليوم في مشهد سياسي يثير الرثاء، بتناقضها مع نفسها في موقفها الرافض لثورة يونيو التي قام بها الشعب المصري نفسه بزخم شعبي أوسع، والتي تدخل الجيش المصري نفسه لحماية إرادتها من نشوب حرب أهلية وانهيار الدولة، ولكن بدور أقل، إذ لم يحكم عسكرياً بنفسه المرحلة الانتقالية، بل سلم الحكم لرئيس وحكومة مدنية مؤقتة.. وبموقف مغاير لموقفها من الرئيس غير الإخواني.

ومؤيد لبقاء الرئيس الإخواني ضد إرادة غالبية الشعب، وضغطت على الجيش لعدم محاكمته، ولمشاركة الإخوان في الحكم، واصفة الثورة الشعبية بالانقلاب العسكري! ولم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحد، بل تجاوزت حدود السيادة الوطنية عندما مارست الضغوط على الحكومة المصرية، سياسياً بالتلويح بالحرب الأهلية، وعسكرياً بالابتزاز بالتهديد بوقف المساعدة العسكرية، بل والتهديد بالتدخل العسكري لإجهاض الثورة وإعادة الرئيس المعزول إلى الحكم، عن طريق تسريب وثيقة تقدير موقف عسكري للتدخل حذر من أن الإقدام على ذلك محكوم عليه بالفشل، بل وسيكون بمثابة "انتحار سياسي"!

لكن الأدهى هو محاولات واشنطن منع تعريب التأييد لمصر العربية، وذلك بالضغط على الدول العربية التي دعمت إرادة الشعب المصري، لوقف أو تأجيل الدعم المالي للحكومة المصرية المؤقتة، لكن محاولاتها العدائية باءت بالفشل مع إصرار هذه الدول الشقيقة على دعم مصر.

لكن ما هو أخطر كان محاولتها للسير في اتجاهين عدائيين للشعب المصري، الأول داخلي بإطالة زمن المشكلة وتعميقها باستمرار الاعتصامات والمسيرات، لإحداث شلل في الحياة الاقتصادية، وتفجير الأوضاع المصرية بالعنف والفوضى وبالإرهاب ضد رجال الجيش والأمن.. والثاني بمحاولة تدويل "المسألة المصرية" التي كسرت ظهر المشروع الربيعي الأميركي، والمشروع العثماني التركي، والمشروع الإخواني في المنطقة!

ولذلك حركت حلفاءها الأوروبيين لإصدار بيانات منحازة، تحمل الحكومة المصرية مسؤولية استخدام القوة لفرض سيادة القانون على الإخوان وأشياعهم، الذين يتحدون القانون ويهددون أمن المجتمع بإشعال العنف وإثارة الفوضى، وبدفع بريطانيا وفرنسا وأستراليا لدعوة مجلس الأمن لعقد جلسة لمناقشة الوضع في مصر، رغم أنه شأن مصري ".

ولا يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين"، كمحاولة للضغط الدولي لإنقاذ حلفائها الإخوانيين من مصير مظلم! كما حركت فرنسا وألمانيا مرة أخرى لدعوة الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماع وزاري، لبحث تقييم العلاقات مع مصر وبحث اتخاذ عقوبات اقتصادية وعسكرية عقاباً لها على إفشال مشاريعهم الاستعمارية عبر الأداة الإخوانية في المنطقة العربية والإسلامية، غير أن الرفض الرسمي والشعبي والتحرك الدبلوماسي المصري..

بالإضافة للموقف الروسي والصيني الرافض لإصدار أي بيان رئاسي أو حتى صحافي عن الجلسة المغلقة التشاورية، وجه صفعة قوية للمحاولات الغربية الموتورة. وهنا خرج العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ببيان قوي، دعمته دولة الإمارات والكويت والبحرين والأردن.

يؤكد دعم بلاده القوي لمصر في موقفها، تصدياً للإرهاب الإخواني في الداخل، وللضغوط الدولية الغربية في الخارج ضد إرادة شعبها، في موقف متميز يعيد إلى الأذهان الموقف التاريخي للدولتين العربيتين الشقيقتين، الداعم بكل شجاعة لمصر وسوريا في حرب رمضان المجيدة، بقطع البترول عن الدول الغربية الداعمة لإسرائيل.

ومع التأييد السياسي والدعم الإماراتي الأخوي للإرادة المصرية، الذي دفع بسمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية من قبل إلى لقاء وزير الخارجية الأميركي وانتزع منه تصريحاً إيجابياً لافتاً تجاه الثورة المصرية، فاجأ الجميع التحرك السعودي القوي بلقاء الأمير سعود الفيصل مع الرئيس الفرنسي والاتفاق على العمل على "إتاحة الفرصة لخريطة المستقبل المصرية" لوقف العنف، وإجراء الانتخابات الديمقراطية، بما أجهض المحاولات الإقليمية لدفع الموقف الفرنسي لاتخاذ إجراءات ضد مصر.

ولقد واكبت القيادة المصرية هذا الجهد العربي ببيانات رئاسية ووزارية، وبتصريحات قوية للفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة، أكدت جميعها تقدير الشعب المصري للمواقف العربية الأخوية القوية، ورفضها القوي لكل التدخلات الأجنبية الغربية في الشؤون الداخلية المصرية.

وتأكيدها على استقلال القرار الوطني وتأكيد السيادة المصرية، ورفض كل محاولات تدويل المسألة المصرية، وأنه لا عودة إلى الوراء، ومواصلة التصدي للعنف والفوضى، والمضي قدماً على خارطة الطريق نحو المستقبل بإرادة الشعب المصري.

 

Email