المنطقة على أبواب تحول جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط تصاعد قرع طبول الحرب على سوريا، يبرز السؤال: لماذا تقدم الخيار العسكري الأميركي فجأة على الخيار السياسي المتفق عليه مع روسيا لحل الأزمة السورية؟ هل هي محاولة لتغيير موازين القوة لصالح أميركا بعد تراجعها لصالح روسيا، قبل اللقاء المرتقب بين أوباما وبوتين في موسكو الأسبوع المقبل؟!

وفي نفس الوقت لتغيير موازين القوة على الأرض السورية لصالح حلفاء أميركا، قبل اقتراب موعد التفاوض في «جنيف 2»؟. وهل يقدم الغرب على الحرب فعلا، وبأي سيناريو؟ وهل حسبوا النتائج جيدا وأمنوا العواقب قياساً على الموقف الروسي السلبي في ليبيا ويوغسلافيا؟ أم هو فخ روسي لاستدراج الأميركان؟!.. ربما!

تساءلت مع نفسي بالتوازي مع تصريحات من واشنطن ولندن وباريس وأنقرة وغيرها تهدد بالحرب، بذريعة كيماوية.. وتصريحات مضادة من دمشق وموسكو وبكين وطهران، تحذر من العواقب المأساوية لحرب جديدة وتداعياتها الوخيمة على المنطقة والعالم. مع تحركات واتصالات بين العواصم الرئيسية، خصوصا بين الوزيرين الروسي لافروف والأميركي كيري!

ويبقى السؤال؛ هل تخلت روسيا عن سوريا؟ وهل كان التهديد بالحرب على سوريا رسالة غير مباشر إلى مصر، بعد أن أسقط الشعب المصري أدواتهم بسقوط الحكم الإخواني؟ أم كان حشد المدمرات الأميركية، للضغط على الرئيس السوري، لكي تبدأ المفاوضات السياسية بمعادلة جديدة تحقق المطلوب بغير حروب؟.. ربما!

وقبل محاولة الإجابة على تلك الأسئلة، أتذكر وأذكر، أولا ما قاله الصهيوني دايان بعد حرب 67 من أن العرب لا يقرأون! أي أن أعداء العرب لا يفعلون شيئا سوى تكرار خداعهم للعرب وتكرار زرع الانقسامات بينهم لمنع وحدتهم، حتى إذا تهيأت الظروف وجرى إضعافهم بانقسامهم، انقضوا عليهم فرادى ولم يفعلوا شيئا سوى تكرار تنفيذ خططهم العسكرية ضدهم، اعتماداً على أنهم لا يقرأون دروس هزائمهم، ولا حتى دروس انتصاراتهم، مع أن العرب هم أمة «اقرأ»!

ولأن المساحة أضيق من الإجابة الكاملة على كل هذه الأسئلة، أذكّر ببعض النقاط، ثم أسجل ملاحظات قد تشير إلى الاجابة عن تلك التساؤلات..

* يعلمنا تاريخنا أن القوى الاستعمارية كانت تضع خططها دائما ضد الأمة العربية والإسلامية باعتبارها كتلة واحدة..

* أن العرب والمسلمين لم ينتصروا يوما على عدوهم إلا بالوحدة.

* الصهاينة وحلفاءهم أوقعوا بين الشعب والجيش في سوريا لإنهاء الدور السوري، وحاولوا الوقيعة بين الشعب والجيش في مصر لإضعاف الدور المصري، وحركوا أدواتهم لإنهاك وإرباك البلدين!

* كما أذكر بخديعة الصهاينة والأميركان لمصر وسوريا عام 67 بتوجيه التهديدات إلى سوريا باحتلال دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها والإيهام بحشود إسرائيلية على الحدود السورية، بينما كانت على الجبهة المصرية!

* يبدو ما يجري استمرارا لسياسة الشد والجذب وعض الأصابع بين الأميركان والروس، فأميركا تريد الانفراد بالهيمنة على الشرق الأوسط بواسطة إسرائيل وحلفائهما الإقليميين، وروسيا لا تريد لها تحقيق ذلك منعا لاختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة بما يهدد أمنها القومي..

* مع استحالة صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يبيح العمل العسكري، يكون العدوان على سوريا بلا شرعية، وهذا يبدو محفزا إضافيا لروسيا والصين لعرقلة التوجهات الأميركية، لاقتراب الخطر من الأمن القومي لهما وحتى لا تظل امريكا منفردة بزعامة العالم كله!

* ما بدا في تصريح لافروف تخليا من روسيا عن سوريا في مواجهة التهديدات الأميركية، بقوله إن «روسيا لن تدخل في حرب ضد أحد» له أكثر من قراءة، وربما كان محاولة لتقديم مسار جديد لاقناع الدول الغربية بتجنب التصعيد العسكري في المنطقة، وما قد يترتب عليه من تداعيات!

* أخيرا، لقد بات واضحا أن الوضع في سوريا اصبح مرتبطا بالصراعات الاقليمية والدولية في المنطقة، وبالتنافس على الممصالح والنفوذ بين القوى الكبرى، وقد يمثل الهجوم عسكريا على سوريا، رسالة تهديد إلى مصر مع ما تسرب عن اجتماعات لمخابرات الناتو للتخطيط ضد مصر، وعن تقرير سري أميركي حذر أوباما من العدوان على مصر لإعادة حكم الإخوان ووصفه بالانتحار السياسي!

ولا شك ان الايام، وربما الساعات المقبلة، تحمل في طياتها الكثير من التطورات التي قد تترك آثارها طويلا على المنطقة، ولن تقتصر تداعياتها على سوريا، ولا حتى على الاوضاع في مصر.

 

Email