وقت كتابة هذه السطور كانت عملية الإعداد لتوجيه ضربة عسكرية غربية بقيادة أميركية إلى سوريا، جارية على قدم وساق، ووقت ظهورها ربما تكون قد جرت بها المقادير بالفعل، أو ليس بعد، ما يطرح علامة استفهام في الحالتين جد مخيفة: هل نحن إزاء حرب إقليمية شاملة مرتقبة يمكن أن تقود إلى حرب كونية ثالثة؟
يعرف كل رئيس أميركي أن مكانته بين ساسة بلاده وفي تاريخها، لا تكتمل إلا بأن تكون له حربه الخاصة، يثبت فيها رجولته ويظهر للشعب الأميركي أنه وفي لعقيدته وممثل لفحولة هذه العقيدة، وقادر على الاختيار بين النار الأميركية ودم الآخرين.
هل من توقعات مسبقة لتلك الحرب؟
قبل أربعمائة عام تقريباً، تحدث العراف الفرنسي الأشهر «ميشال نوستراداموس» عنها في الفصل الرابع من كتاب تنبؤاته، وقد كثر حديثه عن استخدام سلاح مدمر في تلك الحرب لا يبقي ولا يذر، أي سلاح نووي بلغة العصر.
ومع الإقرار الكامل بأنه «كذب المنجمون ولو صدقوا»، إلا أنه ماذا نقول في رجل بوزن هنري كيسنجر؟
قبل نحو عام تقريباً، تحدث الرجل عن ذاك الذي يجري في الشرق الأوسط، معتبراً إياه تمهيداً للحرب العالمية الثالثة التي تتبدى في الأفق، وطرفاها هما الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا وإيران من جهة ثانية.
يؤكد كيسنجر أن واشنطن باتت تضع يديها اليوم على الموارد الطبيعية لدول الشرق الأوسط، لا سيما النفط والغاز، وبقي حجر واحد بات على الأميركيين إسقاطه، ويتمثل في إيران وحلفائها وفي مقدمتهم سوريا بالطبع.
هل سيقف الدب الروسي والتنين الصيني كحملين وديعين أمام من يجزّهما؟
لا شك أن موسكو وبكين تدركان تمام الإدراك أن التوغل الأميركي عسكرياً في الشرق الأوسط وعلى هذا النحو، حتماً سيؤدي إن آجلاً أو عاجلاً لخسارة استراتيجية لهما، وخاصة في ضوء الخطط العسكرية الأميركية للحرب المقبلة.. ماذا يعني ذلك؟
لا ينكر أحد أن هناك أحاديث دائرة في البنتاغون الأميركي، ومنذ العام 2005 تحديداً، بشأن استخدام رؤوس نووية تكتيكية في الحرب المقبلة في الشرق الأوسط، وخاصة حال احتدام الصراع عسكرياً مع إيران. ولهذا فإن العراق يبقى حتى الساعة مسرحاً للحروب الأميركية في المستقبل المنظور، فالمستشارون العسكريون ومقاولو الحرب ما زالوا يقيمون هناك، لا سيما وأن مشروع أواخر التسعينات للقرن الأميركي الجديد، والمعروف بـ«PNAC» الخاص بـ«شن حرب بلا حدود»، لا يزال بدوره ماضياً قدماً، مهما أعلن الرئيس الأميركي من أن بلاده لا تسعى لحروب جديدة حول العالم، بل ربما كان أوباما في حقيقة الحال أكثر فعالية بكثير في التصعيد العسكري من سلفه في البيت الأبيض جورج بوش الابن.
هل ستكون سوريا بداية لفصل جديد من عولمة الحرب، تتحول فيه المشاهد من حروب محلية في العراق وأفغانستان وفلسطين، إلى حرب إقليمية واسعة تمتد من الساحل اللبناني السوري شرق البحر الأبيض المتوسط، إلى الحدود بين أفغانستان وباكستان والصين الغربية، ولاحقاً روسيا؟
هنا قد يقول قائل: إن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، قد صرح بأن بلاده «لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي كان بسبب سوريا»، وهذا في حد ذاته يباعد بين ضرب نظام الأسد وإشعال حرب كونية.
غير أن واقع الحال، أن لافروف أشار إلى أن روسيا ربما لا تتدخل في بادئ الأمر ميدانياً وبشكل مباشر، لكنها لا تستبعد وبالضرورة، من أجل مصالحها الاستراتيجية، تدخلاً روسياً عبر وسائل أخرى.
فعلى سبيل المثال، يمكن لموسكو أن تزود إيران سراً أو جهراً بمنظومات صواريخ عالمية مثل S003 أو S004، وغيرها من الأسلحة الأحدث في ترسانتها، وهذه بدورها تمررها إلى سوريا.
ما الذي يمكن لسوريا فعله في مواجهة تلك الضربة؟ وكيف لها تحويلها إلى حرب إقليمية ثم عالمية؟
في المؤتمر الصحافي الذي عقده نهار الثلاثاء 27 أغسطس المنصرم، قال وزير خارجية سوريا وليد المعلم: إنه «في حال صارت الضربة فإن أمامنا خيارين؛ إما أن نستسلم، أو أن ندافع عن أنفسنا بالوسائل المتاحة، وهذا هو الخيار الأفضل»، وأردف: «لا أريد أن أذكر أبعد من ذلك»، مؤكداً: «سندافع عن أنفسنا بالوسائل المتاحة».
هل وصلت الرسالة إلى الأميركيين؟
ربما تكون بالفعل قد وصلت لهم ولحلفائهم الأوثق في الشرق الأوسط، أي إلى الإسرائيليين الذين باتوا بدورهم يخشون من استحقاقات مواجهة عالمية ثالثة، كتبوا عنها وتوقعوها منذ أواخر يونيو الماضي، عندما أشار موقع «ديبكا» المنسوج بأقلام ضباط سابقين في المخابرات الإسرائيلية، إلى أنه حال التدخل العسكري الأميركي والروسي في سوريا، فإن هناك احتمالات لتحول الأمر إلى حرب عالمية ثالثة.
لماذا لا يسمع للصين صوت عال حتى الساعة في المشهد؟
الحقيقة هي أنهم يتحركون بصمت إمبراطوري صيني معتاد، وربما تكون سوريا بالنسبة لهم فيتنام جديدة أهم من سابقتها في مواجهة واشنطن التي تستدير تجاههم، وربما هنا المكان الصواب لوقف تلك الاستدارة، وفي ذلك سيستخدم الصينيون كل أوراقهم لتعطيل التقدم الأميركي العسكري آسيوياً.
الضباب الكثيف يخيم على الشرق الأوسط والعالم، هذا في الوقت الذي يقرأ فيه البريطانيون خطاباً افتراضياً، كتبته الملكة ليسجل ويذاع على شعبها إثر اشتعال الحرب العالمية الثالثة، التي كانت متوقعة في عام 1983.. هل هي مصادفة جديدة في هذا التوقيت؟