مصر.. معارك الجيش والشعب واحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ انطلاق ثورة 30 يونيو الشعبية وحتى اليوم، يخوض الجيش المصري بتفويض شعبي ملاييني، حرباً على جبهتين في وقت واحد، حينما يحمل سلاحه ليحمي حدود الوطن المصري من تهديدات أعدائه المعروفين المتربصين، وعندما يحمل سلاحه ليحمي المواطنين من تهديدات جماعات الإرهابيين، فيما يحتفظ بواجبه في التصدي لأي عدوان أجنبي على أي بلد عربي من المحيط إلى الخليج، باعتبار أن الأمن الوطني المصري جزء من الأمن القومي العربي.

ويكفي الجيش المصري نصراً وفخراً، لو أنه لم يفعل شيئاً في تاريخه الحديث سوى التصدي مع الشعب المصري بمقاومته الشعبية الباسلة، للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وإجباره قوات العدوان على الانسحاب بدعم كل القوى الرافضة للعدوان والمحبة للحرية والسلام، وبالموقف الأميركي الرافض وبالإنذار الروسي الحاسم انتصاراً لإرادة الشعب المصري في تأميم قناة السويس المصرية، وبناء السد العالي العظيم بقيادة القائد الوطني البطل جمال عبدالناصر..

 وسوى خوضه مع أشقائه العرب لمعركة الشرف العربية الكبرى في حرب رمضان المجيدة، على الجبهتين المصرية والسورية لتحرير الأرض العربية المحتلة في عدوان يونيو عام 67، وتحقيق النصر العسكري العربي الأكبر بعد نجاحه في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، وإلحاق أكبر هزيمة كالزلزال بالعدو الصهيوني المدعوم أميركياً، التي ما كانت لتتحقق إلا بوحدة الجيوش العربية.

والتنسيق بين الجبهات العربية، وأهمها دخول سلاح البترول في المعركة بقيادة العربية السعودية والإمارات العربية.. وسوى تعبير الجيش المصري عبر التاريخ عن إرادة وضمير الشعب المصري حين تحرك كطليعة لثورة الشعب، بداية من ثورة الجيش بقيادة القائد أحمد عرابي .

والذي وقف الشعب معه ضد الإنجليز، ومروراً بثورة الجيش بقيادة القائد جمال عبدالناصر في 23 يوليو عام 1952 لتحرير الوطن المصري من الاحتلال وتحرير المواطن المصري من الاستغلال وأيدها الشعب، ونهاية بمساندة الجيش لثورة الشعب المصري وتنفيذ إرادته في ثورتي يناير ويونيو بإسقاط الحكم الإخواني المرفوض، والتصدي بتفويض الشعب للمسلحين الإرهابيين في سيناء..!

فالعلاقة بين الجيش والشعب المصري علاقة تاريخية وخاصة باعتباره ملك الشعب المصري، فلم يحدث على الإطلاق في تاريخ العالم كله أن دعا القائد العام لجيش من الجيوش جماهير الشعب في وطن من الأوطان للنزول على امتداد الوطن بأكمله، في مسيرات لتفويضه للقيام بمهمة وطنية ما..

لكن حدث هذا فقط في مصر يوم 26 يوليو عام 2013، حينما استجاب الشعب المصري لطلب القائد العام عبدالفتاح السيسي، ونزلت الجماهير الشعبية في المدن المصرية بما يفوق الثلاثين مليوناً، في أكبر مظاهرة بشرية في تاريخ العالم، يفوض الجيش لمكافحة الإرهاب!

ولم يحدث أبداً أن شهد العالم ما سبق 26 يوليو من مشاهد الثقة والتأييد من الشعب لجيش من الجيوش، مثلما شهد في مصر قبل ذلك التاريخ من حركة الدعوات الشعبية وتوالي التحركات السياسية وتحرير التوكيلات الشخصية، على مدى الشهور التي سبقت ثورة 30 يونيو الشعبية، لقيادة القوات المسلحة المصرية بالعودة لإدارة شؤون البلاد من جديد لفترة انتقالية، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وصياغة دستور جديد تصحيحاً لمسار نظام ما بعد ثورة يناير، في رسالة شعبية سياسية بليغة بعدم الثقة في الحكم الإخواني، ومنح كل الثقة للجيش المصري.

سبق ذلك ظهور المشهد المصري في أجمل صوره، حين بلغ ذروة وحدته وثوريته وحضاريته وسلميته قبل عامين ونصف، في الحادي عشر من فبراير 2011، باستجابة الجيش لمطالب التغيير من ملايين الشعب في كل ميادين مصر، وفي مشهد شعبي هادر تحرسه قوات الشعب المسلحة، علا صوت الجماهير المحتشدة بهتاف صادق: "الجيش والشعب إيد واحدة"، وفاءً لموقف قيادة جيش الشعب في حماية مطالب الشعب المشروعة.

ولقد تولت قيادات القوات المسلحة المصرية حينها إدارة شؤون البلاد، بأمانة ودون رغبة في الحكم، وحملت كرة النار في صبر على المكاره، لحماية مصر من أخطار الحرب الأهلية أو التدخل الأجنبي، ووضعت خارطة طريق واضحة للانتقال من الثورة إلى الدولة، بالإعلان الدستوري، وتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية التعددية الحرة والنظيفة، رغم ما لقيته من جحود ونكران من بعض الحركات السياسية والإسلاموية، ومن بعض الساسة والمثقفين!

ورغم ذلك فإن القوات المسلحة المصرية هي التي حمت الثورة، وأجبرت رأس النظام على التنحي.. فقد كان المشير طنطاوي واعياً، مثلما يبدو الفريق السيسي واعياً، أن الهدف من مؤامرات أعداء الشعب في الداخل وأعداء الوطن في الخارج بعد الثورة، هو رأس الجيش المصري بعدما نجح الأعداء في تدمير جيوش عربية أخرى.

لهذا كان دعم الأميركان لصعود الإخوان للسلطة مفهوماً، للإطاحة بالجيش من المشهد السياسي.. وما يبعث على الأسف حقاً، هو ما تعرضت له القوات المسلحة المصرية عموماً، وقياداتها خصوصاً، من مؤامرات خارجية ومكايدات داخلية، بذرائع مختلفة بعضها مبرر وبعضها مقرر، لشغلها عن حماية أمن الوطن، بمحاولات إغراقها في مواجهات مع شعبه.

ثم جاءت مشاهد ثورة الثلاثين من يونيو الشعبية العظيمة عام 2013 بعد ذلك كله، تصحيحاً للمسار واستعادة لإرادة الشعب التي اختطفت، لتترجم للعالم طبيعة هذه العلاقة بين الجيش والشعب المصري، حينما انطلقت هذه الثورة ونزلت مواكب الملايين الشعبية في طوفان بشري حضاري سلمي هادر بثلاثة وثلاثين مليوناً من البشر، في مشهد مبهر لكل ذي عينين.. وما كان ذلك ليحدث بهذه الصورة، إلا لثقة الشعب بأن الجيش هو حارس إرادته.

ولقد أثبت الجيش المصري بقياداته الوطنية المخلصة وبقواته المسلحة الحارسة لحدود وتراب الوطن المصري، ولإرادة وآمال الشعب المصري، أنه على العهد به كما كان دائماً في كل المواقف التاريخية الحاسمة والفاصلة، سيفاً للشعب ودرعاً للوطن، فهو أول من يستجيب لندائه ويتقدم لتحقيق أهدافه، وأول من يتصدى لحماية البلاد ضد كل عدوان أجنبي، في تأكيد جديد على هذا الارتباط الوثيق والعناق التاريخي بين الشعب والجيش في معاركهم الواحدة.. فتحية للقائد.. وتحية لكل الرجال.

 

كاتب مصري

Email