مبادرة مصرية روسية لنزع السلاح النووي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الساخنة وبروز الثنائية القطبية النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبعد انتهاء الحرب الأيديولوجية الباردة بين المعسكرين بقيادة القطبين.

ودخول العالم إلى هيمنة القطب الواحد أو وحيد القرن الأميركي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، يشهد العالم اليوم ملامح نظام دولي جديد يتشكل بوضوح يقوم على تعدد الأقطاب بقيادة روسية أميركية مع تراجع هيمنة القطب الواحد الأميركي في التأثير منفردا، خصوصا مع عودة روسيا الاتحادية إلى صدارة المشهد الدولي بالحد من الانفراد الغربي بتقرير مصير العالم، بقوة لا تخطئها عين مراقب.

وبالتأكيد فإن العودة لتوازن القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية على القمة الدولية يبدو الظرف الأنسب عالميا لجميع دول العالم الثالث الذي يشكل الوطن العربي جزءً منه، ما جعل عودة روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين على رأس الثنائية الدولية الجديدة أمرا حتميا، ورئاسة قمة العشرين بحضور رؤساء الدول الغربية، وفيه بدأ الاتفاق على تراجع القوة وتقدم السياسة، بجانب تنامي صعود الصين ودول الاقتصادات الناشئة الاقتصادي والسياسي، ودخول العالم إلى عصر الشعوب، محل ترحيب عالمنا العربي.

في ظل هذا المناخ الدولي الجديد الذي يفتح الطريق لتراجع القوة العسكرية وتقدم المصالح الاقتصادية والسياسية، ويبشر بإمكانية صعود القانون الدولي إلى مكانته كمرجعية يحتكم اليها الكبار قبل الصغار، وتسود فيه المبادئ الأممية كدليل عمل دولي، كفيصل واضح للتفريق بين الملتزمين والمارقين، وبين أصحاب المعايير الدولية الأصلية وأصحاب المعايير المزدوجة، والانتقائية أو الانتقامية..

تنامي الحضور العربي في العاصمة الروسية موسكو بالعديد من الوفود العربية على مدي الأسبوع الماضي، سواء لتنمية العلاقات الثنائية الاقتصادية والسياسية، وللتباحث معا حول ملفات أزمات المنطقة الإقليمية خاصة السورية والفلسطينية بعدما تحولت الى أزمات دولية ساخنة.

فبينما شهدت موسكو في بداية العام الحالي المنتدى العربي الروسي بغياب عدد من الدول العربية الرئيسية في ظل علاقة ضبابية انقسمت فيها المواقف العربية حول الملف السوري والموقف الروسي منها، كانت الامارات العربية ومصر العربية من أوائل الدول العربية التي مدت الجسور الى موسكو .

وفي مقدمتها زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتنمية علاقات التعاون الاقتصادي، بل كانت الأعلى مستوى في الزيارات العربية التي سبقتها أو التي تلتها.

وجاءت هذه الزيارة بعد بيان الجامعة العربية الأخير وبلسان أمينها العام ويعلن تأييد الجامعة للمبادرة الروسية لوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت رقابة الأمم المتحدة ويدعو للحل السياسي للأزمة السورية عبر المفاوضات بين النظام والمعارضة في مؤتمر جنيف 2، وهي المبادرة التي أعلنها وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف والتي قبلها على الفور وليد المعلم وزير الخارجية السورية في المؤتمر الصحفي في موسكو خلال زيارته الى روسيا، بما أسهم بقوة في تراجع احتمالات الحرب وتقدم احتمالات السلام حتى إشعار آخر.

وبعد زيارة وزير الخارجية الليبية محمد عبد العزيز، رئيس الدورة الحالية لاجتماعات الجامعة العربية الى موسكو، جاءت الزيارة المرتقبة المهمة قبل أيام لوزير الخارجية المصرية نبيل فهمي لتبحث في أكثر من ملف ثنائي وإقليمي ودولي وسياسي واقتصادي وعسكري، وكان التصريحات التي أدلى بها قبل الزيارة للتلفزيون الروسي.

والتي عبر فيها عن تطلع مصر إلى تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين في جميع المجالات، مثلما جاءت خلال الزيارة مع نظيره الروسي في المؤتمر الصحفي لتجيب على أكثر من سؤال ولتقدم أكثر من اقتراح جدير بالاهتمام العربي والاقليمي والدولي..

فعلى مستوي العلاقات الثنائية أكد سيرغي لافروف استعداد روسيا لدعم مصر في استئناف العملية السياسية وصولا الى الديمقراطية بعد ثورة 30 يونيو الشعبية، مرحبا بسعي القيادة المصرية الجديدة إلى دفع مصر على طريق التنمية بتفعيل مؤسسات السلطة المدنية والنمو الاقتصادي وتعزيز القطاع الاجتماعي.

وبالجهود الرامية إلى ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين في الدستور وتحقيق المستوى المطلوب للأمن، قائلاً إن موسكو مستعدة لدعم القاهرة في استئناف العملية السياسية في مصر دون أي تدخل في شؤون مصر الداخلية مؤكدا أن "الشعب المصري قادر على إيجاد الحلول الصحيحة لتقرير مصير البلاد". مرحبا بالدعوة لزيارة مصر.

بدوره، أعرب وزير الخارجية المصري عن تقدير بلاده للجهود الروسية الدؤوبة لحل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية. مجددا تأييد القاهرة للمبادرة الخاصة بعقد مؤتمر "جنيف 2"، ولضرورة إشراك كافة الأطراف المعنية. فيها، موضحا إن تداعيات الأزمة السورية تتجاوز حدود سورية وأن مصر تشارك في حلها رغم ظروفها الداخلية، ومؤكدا أن القاهرة ستتعاون مع القوى الإقليمية من أجل تنظيم مؤتمر "جنيف 2" بشكل فعال.

وأشار وزير الخارجية الروسي لافروف إلى مبادرة مصرية وروسية جديدة بقوله إن البلدين اتفقا على ضرورة دفع الجهود لعقد مؤتمر دولي خاص بإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، دون استثناء، مؤكدا أن موسكو والقاهرة مهتمتان بإنجاح هذه المبادرة التي قدمتها مصر الى الأمم المتحدة ووافق عليها في عام 2010 كل أعضاء المجتمع الدولي، داعيا الى سرعة عقد المؤتمر الدولي لهذا الغرض والذي كان من المقرر انعقاده قبل عامين!

وهذا يتطلب من جميع دول المنطقة دعم هذه المبادرة المصرية الروسية الجديدة التي عرقلتها الدول الغربية لصالح اسرائيل وهي الدولة الوحيدة بين دول الشرق الأوسط التي ترفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، بينما هي الدولة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي بما يشكل التهديد الأخطر والأكبر والوحيد لكل دول المنطقة!

 

Email