في السابق، كان أحد مفاهيم الزواج في الإمارات يعني إنجاب العديد من الأطفال، وكان الإيمان السائد بأن كل طفل جديد "رزقه وياه". وكان يعيش الأحفاد والآباء والأجداد في بيت كبير واحد، يجمعهم الحب والمودة، وتوحدهم المصلحة المشتركة في حياة مستقرة وهانئة، ركائزها حب واحترام الوطن وقيادته والعمل على رقيه وتطوره. إلى أن مرت السنوات..
وبدأت خيرات الذهب الأسود تسود البلاد في جميع الجهات، وغزت التقنية العصرية جوانب حياتنا المختلفة، حتى أصبحت هناك بعض التحولات الاجتماعية ومظاهر التغير. ذلك أدى إلى إيمان البعض من الذين تغذت عقولهم بفكرة الحضارة الغربية التي بثت مفاهيم جديدة، أحدها تحديد النسل بأقل عدد من الأطفال. مفهوم العائلة الكبيرة أصبح حلماً من الصعب تحقيقه، وفي بعض المناطق للأسف أصبح ذكرى لا وجود لها في مجتمعنا.
وبحسب وزارة الصحة فإن انخفاض معدل الخصوبة الإجمالي للمرأة الإماراتية، مقارنة عما كانت عليه في العقدين السابقين، انخفضت بشكل ملحوظ في أوساط المتعلمات والمثقفات منهن، في حين يتركز الانخفاض الأكبر للخصوبة في المناطق الحضرية مقارنة بمناطق الريف.
تحديد النسل لا يقضي فقط على مفهوم العائلة الكبيرة، بل إلى جانب ذلك يؤثر على بعض الجهود المخلصة التي تعتمد عليها الدولة في محاولاتها الرامية إلى تعديل وضع التركيبة السكانية، والتي لا يشكل فيها المواطنون وفقاً لبيانات المركز الوطني للإحصاء أكثر من 947.9 ألف مواطن، أي لا تتعدى نسبة 11% من نحو 8.264 ملايين نسمة.
ورغم قلة عدد المواطنين إلا أنه للأسف تقليص الإنجاب أصبح هو الشعار الذي يتخذه البعض من الشباب والشابات المواطنين، مبررين ذلك بازدياد نسبة النفقات وظروف الحياة الاقتصادية القاسية.
وارتفاع المصروفات المعيشية، والاعتقاد السائد أن الأسرة المثالية يجب أن تتكون من طفل أو طفلين فقط، لتربيتهما، والاعتناء بهما، بالإضافة للعديد من الأعذار التي قد تكون بعضها بعيدة كل البعد عن الواقع ولا تستند إلى المنطقية.
وعند التطرق إلى معرفة بعض الأسباب التي أدت إلى تحديد البعض للنسل هو خروج المرأة للعمل، حيث إنه منذ تأسيس دولتنا الغالية من قبل والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تهتم حكومتنا الرشيدة بالمرأة ومنحها الفرص المناسبة للمشاركة في بناء وتطوير الدولة من مختلف النواحي، حتى أصبحت المرأة تلعب دوراً بارزاً ومهماً في المجتمع باعتلائها مناصب قيادية.
إلا إنه وللأسف كلما زاد عدد النساء اللواتي يعملن، قلت نسبة الإنجاب، وبالتالي قل عدد الأطفال، الأمر الذي سيؤدي إلى تباطؤ النمو على المدى البعيد، باعتبار أن النساء يؤجلن موضوع الزواج والحمل والولادة، خوفاً من فقدان الوظيفة بالاستغناء عنهن. حيث إنه من المنطقي أن نجد انخفاض معدلات الخصوبة لدى النساء في الدول التي ترتفع فيها معدلات توظيفها.
حكومتنا الرشيدة لم تتوان في العمل على التقليل من آثار هذه المسألة من خلال سعيها إلى إزالة المعوقات التي تعيق جمع المرأة بين العمل وإنجاب الأطفال، وذلك من خلال منحها العديد من التسهيلات المتعلقة بالعمل، مثلاً إجازة الأمومة، ورعاية الأطفال، والسماح بمزيد من ساعات العمل المرنة، ومنح المرضعات من النساء ساعات رضاعة لأطفالهن.
حيث إن تحديد النسل يخالف الشريعة الإسلامية، {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ....}. ولم تتوان الدولة بمعالجة هذه القضية من خلال إقامة الأعراس الجماعية والبدء في بناء صالات الأفراح المجانية وتيسير الزواج وتحمل نفقاته، رغبة في تخفيض تكاليف الزواج وبالتالي تحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي للمواطنين.
إن تحديد النسل ما هو إلا انتحار تدريجي لدولة ذات كيان قوي، ونحن في هذا نفرط في مصدر من مصادر عظمتنا وقوتنا، ألا وهم مواطنونا. لذلك، تأثير تحديد النسل وتأثيره في بطء النمو السكاني للإماراتيين، موضوع يجب عدم تجاهله، بل علينا الاهتمام به ومحاولة إيجاد الحلول الجادة والفعّالة لعلاجه.
فليس من المعقول أن يقوم بعض الرجال والنساء في تحديد النسل خوفاً من عدم استطاعة الأسرة في حصول المرأة على الوظائف المناسبة أو الاحتفاظ بالوظيفة. لذا ينبغي تبني سياسات واضحة ومدروسة لزيادة الإنجاب بين الأسرة الإماراتية.
باختصار على الزوج تشجيع زوجته في الحمل والوقوف معها في مسؤولية التربية يداً بيد حتى لا تشعر بالذنب عند اتخاذها قرار الحمل والتنازل عن بعض الكماليات مقابل الحصول على أبناء كثر لأن المجتمع بحاجة دائماً إلى دماء جديدة لمستقبل أفضل.