عندما قال عبد الناصر: لا أمان للإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر علينا غداً الذكرى الثالثة والأربعون لرحيل الزعيم العربي الخالد الذكر جمال عبد الناصر، بعد نجاحه مع إخوانه القادة العرب في إنهاء مأساة الاقتتال الأهلي الدامي في الأردن بين قوات الجيش الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية، في واحد من أنبل وأشرف إنجازاته العربية، حقناً للدم العربي، وتوجيه السلاح العربي في اتجاه العدو وليس باتجاه الشقيق!

ودع الشعب المصري الحزين زعيمه وقائد ثورته جمال عبد الناصر في أكبر جنازة شعبية في التاريخ بعد أن حرص الزعيم على وداع كل القادة العرب جميعاً في المطار رغم إرهاقه المضني وسهره الطويل في يومين ساخنين مفعمين بالدم والدموع سعياً للحل السلمي ورفضاً للحل العسكري بين الأشقاء، في قمة القاهرة "التي ترأسها بصفته رئيس "الجمهورية العربية المتحدة" التي قتلها الانفصاليون، ويا للمفارقة في ذات يوم وفاته 28 سبتمبر عام 1961!

وبعيداً عن إصدار الأحكام، وبرغم ما قيل من أسباب داخلية مبررة لأحداث "أيلول الأسود" فإنه لا يمكن التغافل فيها عن أسباب خارجية مقررة في إطار المؤامرة الصهيو أميركية ضد الأمة العربية لاستنزاف القوة العربية.

وبرغم ماقيل عن أسباب ذاتية مبررة للإجهاز على الجمهورية العربية المتحددة بوقوع حركة الانفصال السوري عن مصر بقيادة عسكريين سلموا الحكومة لأحد الإسلاميين البارزين المقربين للإخوان المسلمين.

وسلموا الدولة لأحد الداعين إلى انضمام سوريا لحلف بغداد وأحد المقربين للإنجليز والأميركان، فأغلب الدلائل تشير إلى مؤامرة خارجية مقررة لإفشال تجربة الوحدة العربية لفك الكماشة المصرية السورية الضاغطة على إسرائيل.

هناك تقارير منشورة تشير إلى وجود مؤامرة للتخلص من عبد الناصر، الذي اعتبره الصهاينة والغرب و"جماعة الإخوان المسلمين"عدوها الأول ولم يسلم من محاولات اغتياله الفاشلة المعروفة بواسطتها.

ومن المفارقات أيضاً أنه بينما يحيي المصريون والعرب والأحرار في العالم ذكري وفاة ناصر، غدا، يسبق الذكرى بأيام الحكم القضائي بحظر نشاط جماعة الإخوان في مصر إيذاناً بإعلان وفاة الجماعة "المحظورة".

وهو ما يعيدنا الآن إلى حكاية الإخوان والثورة، وحكاية عبد الناصر والإخوان ما قبل ثورة يوليو عام 52 وما بعدها وصولاً إلى حكاية الإخوان مع ثورة يناير وما بعدها، ومع ثورة يونيو عام 2013 وما بعدها، وهي الحكاية التي تبدو واحدة بغباء مقدماتها وكارثية عواقبها على الإخوان لغياب شرف الغاية وشرف الوسيلة معاً.

فبرغم أن التاريخ لا يعيد نفسه، لأن أحداث التاريخ يمكن أن تتشابه لكنها لا تتكرر إلا نادراً، إلا أن تجربة جماعة الإخوان مع ثورة يوليو الوطنية عموماً ومع الجيش المصري وجمال عبد الناصر قائد هذه الثورة خصوصاً، تتشابه مع ثورتي يناير المصرية ويونيو الشعبية ومع قيادات الجيش بنفس مقدماتها ونتائجها بدرجة تجعلها تكاد تتكرر.

وهنا فإن التاريخ لا يعيد نفسه، بقدر ما أن "الإخوان " يعيدون نفس المقدمات الخاطئة ليصلوا إلى نفس النتائج الكارثية، متسترين بالدين، ومتوسلين للوصول إلى الحكم بالخداع والكذب والمناورة والظهور بأكثر من وجه بالمبدأ الميكيافيللي المعروف "الغاية تبرر الوسيلة"، بينما الغاية ليست من الدين سوى في الاسم، والوسيلة ليست من السياسة سوى في الإثم، بما يشير إلى أنهم لا يعلمون أصول الدين ولا أصول السياسة ولا يتعلمون الدروس من أخطائهم القاتلة.

لقد اتبع الإخوان نهجاً خاطئاً واحداً مع الثورة المصرية هو ادعاء أنهم صناع كل ثورة، لتحقيق هدفهم النهائي وهو الركوب على كل ثورة للوصول إلى الحكم لصالح الجماعة أو الحزب وليس لمصلحة الدين أو الشعب، وهنا أتذكر وأذكر بعض الوقائع الثابته التي ذكرتها الوثائق والكتب والروايات المنشورة.

أولاً: بالرغم من انخراط جمال عبد الناصر في التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين بظن حسن في مناهضتهم لمخاطر الاحتلال ومقاومتهم للصهاينة ولمظالم الحكم قبل الثورة من خلال زميله الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف إلا أنه بعد العودة من حرب فلسطين برؤية جديدة وطنية.

ونشأ جدال طويل بين الرجلين مفاده رفض عبد الناصر لمطالب عبد الرؤوف في وصاية الإخوان على تنظيم الضباط الأحرار، ورفضه للسمع والطاعة، مصمماً على القيام بالثورة بتنظيم وطني لا إخواني، والدليل على ذلك أن عبد الناصر رفض مطلب مرشد الإخوان بالعودة للثكنات وتسليم الحكم للإخوان، وأنشأ "هيئة التحرير"، فذهب المرشد العام لمقابلة عبد الناصر محتجاً بقوله:

"ما هو الداعي لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الإخوان قائمة"؟! في اليوم التالي بدأ هجوم الإخوان الضاري على هيئة التحرير، وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات في الجامعات يوم 12 يناير 1954م وهو اليوم الذي خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة !.

ثانياً: ما ذكره الرئيس الراحل أنور السادات في مذكراته أنه على إثر ذلك حضر إليه موفد من مكتب الإرشاد إلى جمال عبد الناصر للتفاهم، فرد عليه القائمقام السادات قائلاً: "هذه هي المرة الألف التي تلجؤون فيها إلى المناورة بهذه الطريقة فخلال السنتين الماضيتين اجتمع عبد الناصر مع كل مكتب الإرشاد بلا نتيجة، لأنهم كما قال جمال "يتكلمون بوجه.

وحينما ينصرفون يتحدثون إلى الناس وإلى أنفسهم بوجه آخر، فلا أمان لهم"، ويمضي السادات قائلاً: "بينما كان هذا الموفد في مكتبي يسأل عن طريقة وموعد للتفاهم مع عبد الناصر كانت خطتهم الدموية ستوضع موضع التنفيذ في مساء اليوم نفسه لاغتيال عبد الناصر في المنشية، وهذا هو ما دفع جمال إلى حل جماعتهم واعتقالهم ومحاكمتهم عام 1954".

ثالثاً: إن الثورة حاولت في البداية التعاون مع الإخوان، وأعادت لهم الاعتبار وأعادت التحقيق في اغتيال مرشدهم حسن البنا، وحاكمت إبراهيم عبد الهادي على وقائع تعذيب الإخوان قبل الثورة، فيما كانوا هم ينقلبون على الثورة ويخططون لاغتيال قائد الثورة في المنشية.

وكان هدفهم الوحيد هو الوصاية على الثورة للوصول إلى الحكم، وهؤلاء لا علاقة لهم لا بالدين ولا بالثورة، ويبدو أن هذه التجربة المريرة الأولى للثورة مع الإخوان هي سر هتاف الشعب في ثورة 30 يونيو الشهير "عبد الناصر قالها زمان، الإخوان مالهمش أمان"، غير أنها لم تكن التجربة الأخيرة!

 

Email