أجسادنا، أرواحنا، مشاعرنا، مجموعة متآلفة ومتناقضة، تجتمع لتكون هيكلاً يحمل اسماً مهماً جميعها تجتمع لتكون وتصنع من اللا شيء شيئاً مهماً ألا وهو الإنسان. أجسادنا ما هي إلا هياكل من ذلك اللا شيء الذي نعتبره لوحده لا شيء ألا وهو التراب.
أرواحنا، أنفاسٌ ربانية تدخل في جوفنا لتكون البقاء لنا، ولولاها نحن لا شيء ومتى صعدت إلى بارئها عدنا إلى لا شيء. هل فكرنا يوماً بأن نصنع من اللا شيء شيئاً؟
هنيئاً لمن فكر في أن يبحث عن الشيء في أصل اللا شيء. لا تحقر صغيرة إن أعلى الجبال تكوّن من الحصى، مقولة لابد أن نأخذ بنهجها أو نعتبر بها. لنبحث عن اللا شيء في دواخلنا .لنصنع الشيء في واقعنا.
فالإبداع ما هو إلا مجموعة أفكار متطورة. والفكرة ما هي إلا معلومات مجتمعة والمعلومات نتائج لتجارب، والتجارب من صنع البشر، والبشر يدونون والتدوين يكون بالقلم، بسم الله الرحمن الرحيم، "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ". والكتابة عبارة عن حروف، والحروف لوحدها لا تعني شيئاً فهي لا شيء وهذا مثال بسيط لوصف تحول اللا شيء إلى شيء.
إذن كيف نصنع من اللا شيء شيئاً؟ ليس فقدان الثروة عذراً للفقراء وليس فقدان المنصب عذراً للفاشلين، وليس فقدان التميز عذراً للمتهاونين، لأن ثروة الإنسان الحقيقية هي نفسه التي بين جنبيه. وما دام قادراً على العمل فهو قادر على أن يصنع من اللا شيء شيئاً، وبذلك يمكن صنع الشيء من اللا شيء.
"نحن لا نصنع المصانع، بل نصنع الرجال الذين يديرون المصانع"، كما قالها المغفور له بإذن الله تعالى والدنا ومعلمنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. كل ما في هذه الحياة قابل للتحول وأن يكون شيئاً، ولذلك فكل شيء قابل لأن يكون وسيلة للنجاح.
هذا أيضاً ما تؤكده قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، بأن المواطن هو أساس الوطن وشريانه، وليس النفط كما يعتقد البعض، وهي على ثقة تامة بأن المواطن يستطيع وبتفوق واقتدار أن يصنع شيئاً من لا شيء يستطيع فيه المشاركة في خدمة وطنه ورد الجميل له.
الوجود أكبر رأسمال للبشرية وما دام الجميع يملكه فهم يملكون القدرة على امتلاك كل شيء. عندما سُرح "فرانك ديبو" من الجيش الأميركي عاد إلى مدينته يبحث عن عمل فسُدت أبواب العمل في وجهه، لأنه تخطى العقد الرابع. واضطرته ظروفه المالية إلى استئجار غرفة صغيرة لسكنه في خارج المدينة .
وكان يشغل الغرفة قبله رجل صيني اعتاد أن يرمي النفايات في الحديقة الصغيرة وأراد الرجل رفع النفايات لئلا تولد البعوض فاسترعى انتباهه وجود كثرة من الديدان ولاحظ أن بعضها شديد اللمعان وهو نوع يستخدمه صيادو السمك بواسطة السنارة في اجتذاب الأسماك النهرية.
قرر فرانك الإبقاء على هذه الديدان لأنه شخصياً كان من هواة الصيد فحفر حفرة صغيرة في الحديقة ووضع تلك الديدان فيها بعد أن فرش الحفرة وجدرانها بطبقة رقيقة من الأسمنت، وراح يتعهدها كما يتعهد صاحب المزرعة ماشيته فتكاثرت ديدانه وألفت محبسها فصارت تنساب نهاراً في الحديقة وتأوي ليلاً إلى حفرتها.
وهنا جالت في رأس الرجل فكرة لم لا يبيع الديدان لصيادي السمك. ووضع فكرته موضع التنفيذ، فأقبل الصيادون على الشراء وكان سعر كل دودة بقيمة سنت واحد وشجعت النتيجة صاحبنا على توسيع نطاق مشروعه فعدل عن رفع النفايات وجعل من حديقته بؤرة لتوليد الدود وتربيته. ولما ازدهرت تجارته استأجر أرضاً في الضواحي، وأحاطها بسور وأطلق عليها اسم "الدودة السمينة".
وهكذا استطاع فرانك أن يحقق مشروعاً ناجحاً من مجموعة الديدان وأن يعمل شيئاً من لا شيء.إن فرانك لم يكن بالطبع هو الوحيد الذي صنع من اللا شيء شيئاً، فهناك المئات، بل الآلاف من القصص التي استطاع فيها الإنسان أن يصنع شيئاً من لا شيء.
هناك من أدار مستشفى للدمى، وهناك من قام بجمع الحصى، وهناك من أسس قفص الفردوس لجمع العصافير الهاربة وجعل من اللا شيء شيئاً وكون ثروة طائلة لم تكن في الحسبان. لذا، كيف يسمح البعض لنفسه أن يبرر فشله بأنه لا يملك رأسمال أو غيره لكي ينجح؟
إن أكبر رأسمال للإنسان في هذه الحياة هو وجوده على الأرض، وما أنعم الله عليه عز وجل من مختلف النعم ولا شك في أن قابلية التحول في تلك النعم تعطي الجميع قدراً متساوياً من الإيمان والقوة على أن يصنع من اللا شيء شيئاً. بهمم أجدادنا استطعنا أن نعمل من اللا شيء شيئاً حتى أصبحت دولتنا الغالية شيئاً مهماً بعد أن كانت تقريباً لا شيء، فحمداً لك يا الله.