عندما أصبح لجيش النصر عيدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

غدا يحتفل الشعب العربي في مصر مرة ثانية هذا العام بذكرى انتصار جيشه البطل، احتفالاً مضاعفاً له طعم ولون ورائحة الفرحة والثورة والنصر، في ذكرى مرور أربعين عاماً على ملحمة النصر الكبرى في السادس من أكتوبر عام 1973.

وربما هي المرة الأولى التي تشهد مصر احتفال الشعب بعيد الجيش مرتين، الأولى كانت في ذكرى انتصار العاشر من رمضان المجيد، وعيد انتصار ثورة 30 يونيو الشعبية فأصبح الحفل حفلين. ومع احتفال الشعب بكل قادة أكتوبر الكبار في ذكرى النصر، يحتفل الشعب المصري لأول مرة بالقائد العام لجيش النصر، والقائد العام لثورة الشعب عبدالفتاح السيسي، الذي سكن القلوب لأن مواقفه كانت تعبيراً صادقاً عن إرادة وضمير الشعب.

هذا الجيش المصري وهذا القائد الوطني، جديران باحترام الشعب، ولو لم يفعل الجيش شيئاً سوى التصدي مع الشعب للعدوان الثلاثي عام 1956، انتصاراً لإرادته بتأميم قناة السويس وبناء السد العالي بقيادة الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر، وخوضه مع أشقائه السوريين معركة الشرف العربية وتحقيق النصر في أكتوبر، ومساندة ثورة الشعب وتنفيذ إرادته بإسقاط الحكم الإخواني المرفوض.. لكفاه شرفاً!

ومن حق الشعب العربي أيضاً الاحتفال بالنصر العربي الأكبر منذ اغتصاب فلسطين على العدو الصهيوني ومن وراءه من دول الغرب، فهو النصر الذي حققه الجيشان العربيان الشقيقان المصري والسوري على جبهة القنال المصرية والجولان السورية عام 73، تحت علم دولة «اتحاد الجمهوريات العربية» بدعم عربي فاعل، وشكل زلزالاً قوياً على الدولة العبرية، أجبر غولدا مائير على إرسال نداء استغاثة للرئيس الأميركي نصه «أنقذوا إسرائيل»!

ذلك الانتصار العسكري الذي حطم نظرية الأمن الصهيوني، وقهر «الجيش الذي لا يقهر»، تحقق بعدة عناصر تكتيكية، أولها المفاجأة الاستراتيجية والمبادأة بالهجوم، على عكس قاعدة العدو بشن الحرب الوقائية والمبادأة. الثاني إجبار جيش العدو على الحرب على جبهتين في وقت واحد، وهذا ما ضرب المحور الأول لنظرية الأمن الصهيوني بعدم الحرب على جبهتين. الثالث، نقل الحرب إلى مواقع العدو، على عكس ما تحدده نظريتهم من عدم السماح بأن تكون المواقع الصهيونية هي أرض المعركة.

أما الرابع فهو نجاح خطة الخداع الاستراتيجي المصرية، بما أفشل اعتماد العدو على استخبارات قوية تعطيه فترة إنذار كافية لتمكينه من المبادأة! والخامس، شل دور الطيران الصهيوني بحوائط صواريخ الدفاع الجوي المصرية والسورية، بينما الاعتماد على الدور الرئيسي للطيران هو من أسس نظرية الأمن الصهيوني.

وقد تم الاعتماد في الضربة الرئيسية الأولى على الطيران، حينما انطلق نسور الجو المصريون والسوريون بطائراتهم الحربية في وقت واحد لقصف مراكز القيادة والاتصالات وتجمعات العدو، وتحت غطائها اندفعت قوارب العبور المصرية حاملة الأبطال الذين اخترقوا «خط بارليف» الحصين عبر القناة، لمنع العدو من استعمال أنابيب النابالم.

وفتحوا الطريق لمئات الدبابات المصرية للتقدم إلى سيناء حتى مدينة القنطرة، فيما اندفعت مئات الدبابات والمدرعات السورية بآلاف الجنود الأبطال إلى عمق الأراضي المحتلة عبر هضبة الجولان، بعد أن اخترقت «خط آلون» وحطمت موانعه الحصينة، وأنزلت بقوات العدو خسائر كبيرة، ما استدعى نقل قوات صهيونية كبيرة وفرق مدرعة كثيرة لصد الهجوم، ومع ذلك واصلت القوات السورية تقدمها إلى شواطئ بحيرة طبرية وحررت مدينة القنيطرة.

ولم يكن لهذا النصر أن يتحقق دون دعم ألوية عربية عراقية وليبية وجزائرية ومغربية وسودانية وكويتية على الجبهتين، ولولا الدور اليمني بإغلاق باب المندب مع قناة السويس لإغلاق البحر الأحمر.

ولولا القرار الصاعق بقطع النفط العربي عن الدول المساندة للعدو، الذي بادرت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت وغيرهم. وهنا تبقى المقولة الخالدة لشيخ العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، ليشارك سلاح البترول بقوة في «حرب الدم والنفط».

وهنا نقول إن الاحتفال الحقيقي بالنصر هو بوحدة القوى العربية، ولا نقبل لشركاء النصر الأشقاء الانقلاب اليوم إلى أعداء ليفرح الأعداء، أو التحالف مع الأعداء ضد الأشقاء لكسر إرادة الأشقاء..

والاحتفال الحقيقي بالنصر هو بوحدة الشعب والجيش معاً في كل وطن عربي لحماية الوطن من الأعداء، وليس بالاقتتال الأهلي خدمة للأعداء، وبعدم السقوط في فخ المؤامرات الاستعمارية للوقيعة بين الدول العربية والإسلامية، أو بالفتنة بين شعوبها وجيوشها لصالح أعدائها.

وبينما أهملنا نحن دروس النصر عام 73، تعلم العدو الصهيوني وحلفاؤه درس الهزيمة من حرب رمضان، فوضع خططه لتفكيك وحدة العرب، وأطلق مؤامراته لتقسيم الأوطان، وحرك أدواته وطوابيره الخامسة في الدول العربية التي حققت النصر، لإشعال الفتن الأهلية واستنزاف الجيوش العربية الرئيسة وتشويه صورتها الوطنية، خصوصاً المصرية والعراقية والسورية، لأنها شكلت السد العالي الحقيقي في وجه المعتدين.

فبينما يفرح الشعب والجيش وكل الأشقاء بالنصر في مصر وسوريا، لا يشعر بالمرارة سوى المهزومون من الأعداء وحلفاء الأعداء، وبعض «عواجيز» الفرح الشعبي من الإخوان والمتأسلمين وبعض المراهقين الثوريين والليبراليين المعادين لجيش النصر، والذين يحاولون يائسين إفساد فرحة الشعب بالنصر وبالجيش، وهم بهذا العداء والغباء لا يقفون إلا في نفس خندق الأعداء.

وبالتالي سوف يستحقون معاملة الشعب لهم غداً معاملة الأعداء. في النهاية، كل الإكبار للشهداء الأبرار ولقادة وجنود حرب رمضان الأبطال، وكل التحية للقوات المسلحة المصرية الباسلة ولقادتها الكبار، الذين حققوا النصر بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات والمشير القائد أحمد إسماعيل، والتهنئة اليوم لرجال قواتنا المسلحة الأبطال الذين يخوضون الحرب ضد الإرهاب، بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، الذي أكد مع الرجال الأبطال الدور الوطني التاريخي لجيش مصر العظيم، في حماية الوطن ودعم إرادة الشعب.

 

Email