3 مشاهد مصرية عربية لاحتفالات النصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ثورة يناير الشعبية وثورة يونيو الشعبية احتفلت مصر ثلاث مرات بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة عكستها ثلاثة مشاهد دالة وكاشفة وفارقة. ورغم أني كمراقب تابعتها في حينها بدقة وقرأت دلالاتها الإيجابية والسلبية بعناية، إلا أن الاحتفال الشعبي والعسكري والرسمي الذي تابعناه في مصر قبل أيام في إعادة إحياء لروح النصر تجاوزاً للهزيمة، وروح الاستجابة تجاوزاً للتحدي، أجبرني على استعادتها للمقارنة بينها، ساعدتني على ذلك ثلاث صور فوتوغرافية أمام قبر الجندي المجهول بمدينة نصر.

المشهد الأول، في السادس من أكتوبر عام 2011 ، كان الاحتفال الأول للنصر بعد ثورة يناير، وما ميزه عن الاحتفال في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، هو احتفال جماهير الشعب المصري المشبعة بالأمل بذكرى النصر في ميدان التحرير بدعوة من القوات المسلحة، تردد فيه الهتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" مع حفل فني للأغاني الوطنية في الميدان شارك فيه الفنانون المؤيدون للثورة.

وفي حضور قوى سياسية، وغياب لافت للإخوان والسلفيين قام المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، بعد إلقاء كلمة مسجلة حذّر فيها "الساعين إلى الفوضي "من غضب الشعب المصري، بوضع إكليلين من الزهور على قبر الجندي المجهول، وعلى قبر الرئيس الراحل أنور السادات قائد النصر، والذي اغتاله الإرهابيون الخارجون من عباءة "جماعة الإخوان" في ذكرى الاحتفال بالنصر.

المشهد الثاني في السادس من أكتوبر عام 2012، وكان المشير طنطاوي قد أطيح به بعد ما أجرى أول انتخابات حرة برلمانية ورئاسية، أوصلت محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة، فأطاح بقيادة المجلس العسكري الذي أوصله الى السلطة واستحوذ على السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ثم أصدر إعلاناً دستورياً بدون شرعية في انقلاب على الدستور الذي أقسم على احترامة وحنث باليمين، منح السلطة التشريعية بموجبه لمجلس الشورى الذي يسيطر عليه الإخوان والسلفيون، وأطاح بالنائب العام غير القابل للعزل دستورياً، وعيّن نائباً خاصاً جديداً بدون ترشيح من مجلس القضاء الأعلى في انقلاب آخر على استقلال السلطة القضائية.

لكن ما حفل به هذا الاحتفال من غرائب وانقلابات، هو البدعة الجديدة للرئيس الإخواني، حيث نظم احتفالاً " إخوانياً وسلفياً" من أنصاره في "استاد ناصر" أراد به إظهار شعبية زائفة له أمام الكاميرات، وفي يوم ذكرى اغتيال الرئيس السادات صاحب قرار حرب أكتوبر، استقل مرسي سيارة السادات المكشوفة ليدور بها حول الملعب وسط هتافات مؤيديه مرسي.. مرسي" و "الله أكبر ولله الحمد": وهو الهتاف الإخواني المعروف، وكأنه كان قائد حرب أكتوبر العائد، أو صاحب الضربة الجوية الغائب!

لكن الأدهى والأغرب من كل ذلك كان المشهد على المنصة حيث ألقى خطاباً طويلاً للغاية متحدثاً فيه عن نجاح إنجازات لم تتحقق في توفير الوقود، وتيسير المرور والتخلص من القمامة خلال المئة يوم، وحيث غاب عن المشهد قادة حرب أكتوبر من العسكريين، وحضور من شاركوا في اغتيال السادات وعناصر الإخوان المسلمين، بما أحدث نفوراً شعبياً فوق النفور القائم، واعتراضاً سياسياً فوق الاعتراض وانتقاداً إعلامياً لافتاً فوق الانتقاد!

المشهد الثالث، في السادس من أكتوبر عام 2013، وجاء بعد عزل مرسي بإرادة أكبر ثورة شعبية ملايينية مصرية في التاريخ، وباستجابة الجيش المصري بقيادة الفريق أول السيسي لإرادة الشعب بعد ثلاثة أيام من مطالبة الشعب له بإنفاذ إرادته بعزل الرئيس الإخواني السابق بسبب انقلابه على الشرعية، وفشله في إدارة البلاد، وإحداث الانقسام الطائفي والمذهبي بين الشعب.

وتميز هذا الاحتفال بسمتين أساسيتين، الأولى كانت في مشهد تكريم الشهداء والزعماء الراحلين، حيث قام الرئيس المؤقت للبلاد يرافقه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، والفريق صبحي صدقي رئيس الأركان بوضع أكاليل الزهور على قبر الجندي المجهول، وعلى قبر الرئيس السادات، ولأول مرة على قبر جمال عبد الناصر، وصلاً لما انقطع من مراحل تحقيق النصر.

وهنا لابد لنا أن نذكر بالإكبار أن الرئيس عبد الناصر الذي تحمل بشجاعة الرجال مسؤولية الهزيمة العسكرية في يونيو عام 67 وأعلن استقالته فخرجت جماهير الشعب بالملايين على امتداد مصر كلها رافضة لقبول الهزيمة.

ومطالبة له بالعودة إلى مقعد القيادة والقتال لاستعادة الأرض والكرامة الوطنية وتحقيق النصر، هو الذي بدأ من اليوم التالي لعودته بإعادة بناء القوات المسلحة على أسس مهنية وعلمية جديدة، وبعد شهرين فقط أغرقت قواتنا البحرية المدمرة إيلات بمن فيها من عشرات الضباط والجنود الصهاينة في أول ضربة عسكرية أفقدت العدو صوابه!

وأيضاً لابد أن نتذكر أن الرئيس عبد الناصر هو الذي أمر بألا تسكت المدافع وشن حرب استنزاف طويلة على مدى ثلاث سنوات خسر فيها العدو ثلاثة أمثال خسائره في حرب يونيو، وكان الهدف منها هو كسر الشعور بالاحباط والتدريب الساخن للجيش على تحقيق النصر.

السمة الثانية لاحتفال هذا العام بالنصر، ما أكده الرئيس عدلي منصور في كلمته من تقدير الشعب المصري للأشقاء العرب الذين ساندوا مصر في حرب أكتوبر، والذين ساندوا مصر اقتصادياً بعد ثورة يونيو الشعبية، وفي مقدمتهم الإمارات والسعودية والكويت والأردن، وتقديم الشكر لشعوب وقادة هذه الدول باسم الشعب المصري، قام في أول زيارة خارجية له بجولة عربية في السعودية والأردن.

وسوف يعقبها بجولة خليجية للإمارات والكويت والبحرين. وأيضاً، ما أكده القائد السيسي الذي تحول إلى بطل شعبي، في كلمته بالحفل الباهر بذكرى النصر، بأن الجيش والشعب والشرطة سيبقون على الدوام يداً واحدة في مواجهة الجماعات الإرهابية التي تحاول جر البلاد العنف والدماء لإفساد فرحة الشعب بالنصر.

وبأن هذا النصر لم يكن مصرياً أو سورياً بل كان نصراً عربياً، وأن الشعب المصري سيظل وفياً لأشقائه العرب الذين وقفوا معه، وذلك في حضور عربي لافت على المنصة في مقدمتهم الدكتور عبد الله النسور رئيس الحكومة الأردنية، وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني.

 

Email