الموازنة بين الإجراءات السابقة واللاحقة

الإجراء هو العملية الممنهجة للقيام بعمل ما، وهو ما تعارف عليه إداريا بحكم المعرفة التراكمية لبني البشر. فمثلا هناك إجراءات الهندسية لبناء ناطحات السحاب لم تأت إلا بعد نضوج هذا النوع من الإجراءات و صار علما يدرس. كذلك الإجراءات المحاسبية من أعداد الميزانيات، و قائمة أرباح / خسائر، والتدفق النقدي كلها أصبحت ناضجة إجرائيا حتى أضحت إجراءات موحدة ومتعارف عليها عالميا.

اليوم وصل العلم الحديث إلى نضوج كبير ما جعل هناك لمعظم العمليات اليوم إجراءات سابقة ولاحقة، لتجعل أداء الإجراء على المسار الصحيح بداية بالتخطيط نهاية بالتنفيذ وختاما بتقييم الأداء ، وطبعا كان هناك فصل في المهام لتكون هذه العمليات الإجرائية مجتمعة لمصلحة المستفيد والمستخدم النهائي لهذه الإجراءات .

فمثلا قبل بناية الأبراج تحتاج إلى إجراء أعمق من مجرد بناء فيلا فهناك بداية من مكتب له مؤهلات بناء هذا النوع من الصروح المعمارية للقيام بعملية التخطيط وعمل الرسومات التي سوف يبنى عليها حقيقة المشروع. يأتي بعد ذلك البعد المالي لعملية إعداد التصور للتكلفة و الدخل في الموازنة التي سوف يعتمدها صاحب المشروع قبل التعاقد على التنفيذ. لذلك نجد اليوم أهمية هذه الإجراءات السابقة التي إذا لم يتقنها البعض قد تؤدي به إلى طريق الإفلاس أو السير بخطوات التعثر المالي لغياب الملاءة المالية.

الآن الكلام يبدو أكثر وضوحا بهذه المقدمة التي ربطناها بعملية البناء لأنه عند الحديث عن الموازنة خاصة في القطاعات الخدمية يكون الأمر فيه شيء من الاختلاط عند البعض بين الإجراءات السابقة واللاحقة. أحد أسباب أهمية وجود الإجراءات السابقة أنها تكون غير مكلفة أو ملزمة حالة حدوث الأخطاء فهي ليست أكثر من حبر على ورق، لا توجد لها ارتباطات مالية حقيقية أو تعاقدات قانونية تذكر، مثل التي تترتب على الإجراءات اللاحقة.

تفيد الإجراءات السابقة أيضاً من الاستفادة في فصل الشركات أو الاستحواذ عليها، حيث تعطي مرونة كبيرة لعملية التصور فرضيا على الورق قبل القيام بعملية الفصل بين شركتين، بشرط عدم الخلط بين الإجراءات السابقة واللاحقة.

حيث هناك فرق كبير وحقيقي بين التخطيط والتنفيذ ، فماليا مثلا لا توجد موازنة تطبق ١٠٠٪ حيث يكون هناك ما هو متعارف عليه بالفروقات سلبا وإيجاباً بتفاوت بين الممتاز و الجيد والضعيف فمثلا من تجاوز ٣٠٪ من الميزانية بالزيادة أو النقصان يكون هذا ضعيفا جداً في عملية التخطيط المالي فأحدها ساهم في تضخيم الموازنة وزيادة الطلب الكاذب على النقد، والآخر تسبب في حجز الأموال التي كان يمكن أن يستفيد بها طرف آخر أثناء التخطيط في المجتمع الاقتصادي.

مثلا إذا ذكرنا بعض الإجراءات السابقة لإنشاء أو فصل الشركات :

١- وجود الشخصية الاعتبارية.

٢-وجود المكان.

٣-وجود رأس المال.

٤-تعيين الرئيس التنفيذي والمدير المالي.

٥-عمل موازنة.

٦-تعيين القوى العاملة.

٧-تفعيل الميزانية.

٨-بداية العمليات التشغيلية.

٩-بداية الإجراءات اللاحقة.

وفي حالة فصل الشركات تكون هناك العمليات اللاحقة في موقع التنفيذ حقيقة، فهذا لا يمنع أن الشركة المفصولة تحتاج إلى نفس الإجراءات السابقة لتتمكن من الانفصال، فمثلا إن كان ليس لديها الشخصية الاعتبارية يجب استخراج المسوغ القانوني لهذه الشركة للحصول على الشخصية الاعتبارية، مثال الرخصة من الدائرة الاقتصادية مثلا.

 

أيضاً يلزم أن يكون هناك تواريخ متفق عليها لنهاية العلاقة المالية بين الشركتين حتى يتجنب الازدواجية في الدفع في الإجراءات اللاحقة والتي يجب معالجتها بعيدا عن الإجراءات السابقة. فإن إدخال العملية الإجرائية السابقة مع اللاحقة تكون مثل خلط الزيت مع الماء، وإداريا ليست صحيحة كإجراء وصلاحيات ، مثلا ميزانية الشركة المفصولة (إجراء سابق) تكون صلاحياتها مع الرئيس التنفيذي الجديد المعين للشركة المفصولة بصفته هو الذي سوف يدير المنشأة والمسؤول عنها، كما يجب منع الشركة القديمة القيام بأي عملية من الإجراءات السابقة من تاريخ صدور الشخصية الاعتبارية وصدور قرار فصل هذه المنشأة.

أما الإجراءات اللاحقة على العكس يجب أن تضمنها الشركة القديمة بما يضمن سير العمل بشكل طبيعي في الشركة المفصولة، حتى يتم نقل الإجراءات اللاحقة بشكل تدريجي بعد أن تكون قد أتمت الشركة من استكمال كوادرها الإدارية والتشغيلية بالشكل المطلوب لفصل كافة الإجراءات اللاحقة. هذا النوع من النضوج الاداري للإجراءات السابقة يسمح بإنشاء الشركات الجديدة أو انفصالها بكل يسر وبأقل تكاليف ممكنة حيث يضمن وجود جاهزية عالية للمؤسسات والشركات بشرط عدم الخلط بين الإجراء السابق مع اللاحق.

 

ختاما هناك سبب لكل إجراء ونظام تعيشه البشرية اليوم فقد وصلت بتدوين المعرفة التراكمية إلى فنون الادارة اليوم. حتى أصبحنا نبيع منتجات مالية تعتمد على هذه العمليات السابقة، على سبيل المثال المشتقات المالية وعمليات التحوط المالي الذي سببه وجود إجراءات سابقة متعارف عليها وموحدة إلى حد كبير إداريا جعل منها أوراق مالية تباع وتشترى ويضارب عليها في الاسواق المالية عالميا.

الأكثر مشاركة