قبل سنة فجعت الكويت بمقتل شاب في مقتل العمر من أب لبناني وأم كويتية. هذا الشاب كان قد تخرج للتو من كلية الطب بجامعة الكويت. أما الجريمة فقد وقعت في أكبر مجمع تجاري في الكويت وهو "الأفنيوز"، وكان سببها تلاسن بين القتيل وشباب آخرين على الأحقية بموقف سيارة!! أما القاتل فكان أحد الشباب المنتمين إلى فئة "البدون"!!
ومنذ أقل من شهر تكررت المأساة في مجمع تجاري راق آخر وهو "المارينا"، إذ أقدم شاب "بدون" على طعن شاب آخر كويتي في عراك شبابي وقع في المجمع على سوء فهم وقع بين الطرفين، وتم على مرأى ومسمع المتسوقين الذين لم يكن لهم حول ولا قوة في وقف المتشابكين المسلحين بالأسلحة البيضاء، إلى أن وصلت الشرطة بعد أن كان "الفاس قد وقع بالراس"، كما يقول المثل الشعبي!!
أما الجريمة التي وقعت الأسبوع الفائت، فإنها تفوق الوصف في مأساويتها وبشاعتها وخروجها عن المألوف، إذ حدثت مشاجرة في أحد بيوت "البدون" بين شاب وأبيه وتطورت ليقوم الأب بطعن أبنه بسكين وليرد عليه ابنه الشاب بطعنة نجلاء أردت أباه قتيلاً!! وقد ذكر الشاب في التحقيقات الأولية إن أباه كان يحضر ويضرب أمه وأخواته باستمرار، وإنه أراد أن يوقف أباه عند حده وحصل ما حصل!!
ثلاث جرائم قتل في سنة واحدة يكون أبطالها شباب في مقتبل العمر، شباب لا أمل لهم بحياة كريمة لأنهم لا يمتلكون جنسية. شباب يعيشون صراعات اجتماعية بين جدران بيوتهم حينما يسألون آباءهم عما جناه هؤلاء عليهم وكيف أصبحوا بدون هوية.
وهم في صراع لتأمين لقمة العيش الكريم، حيث تقفل الأبواب في وجوههم، رغم سواعدهم القوية المستعدة للعمل. يرون آباءهم وأمهاتهم وهم يذهبون لاستعطاف الجمعيات الخيرية لتمد يد العون لهم فيتكسر كبرياؤهم وتتحطم نفسياتهم على ما هي عليه من سوء وذلك بسبب خجلهم من هوياتهم كبدون، التي يرون بأنها وصمة يحاولون بشتى السبل إخفاءها.
وقبل أسبوع حذرت وزارة الداخلية الكويتية البدون من الخروج بمسيرات عقب صلاة الجمعة. ومن المعلوم أن البدون (وبالذات من الشباب) قاموا خلال العام المنصرم بالعديد من المظاهرات والمسيرات مطالبين بحل مشكلتهم. وقد ترافقت مظاهراتهم مع ما شهدته الكويت من حراك المعارضة التي طالبت بإلغاء مرسوم الصوت الواحد.
إذن، نحن أمام جيل متمرد من شباب البدون، ونحن أمام إفرازات ظاهرة استمرت معنا أكثر من أربعة عقود دون حل حاسم. وما تعانيه الكويت بشكل واضح المعالم، وما مرت به وتمر به فيما يخص هذه الفئة، قد تمر به أي دولة خليجية أخرى بهذا القدر أو ذاك مما يحتم علينا جميعاً وضع حد لهذه الظاهرة وحلها حلاً جذرياً، وعدم تركها لكي يحلها "الزمن" ذلك أن ترك هذه المشكلة سيفاقمها أكثر، كما هو حاصل الآن في الكويت، حيث يبلغ عدد البدون فيها حالياً 120 ألفاً، رغم كل الإجراءات التي اتخذت لتحديد هويات هؤلاء الأصلية.
ولعل من الخطوات العملية والحلول السريعة هو تجنيس من تنطبق عليهم شروط الجنسية في أقرب وقت، خاصة أن هؤلاء عوضاً عن انطباق شروط الجنسية عليهم، هم من النسيج الاجتماعي المحلي وذوي صلة قرابة مع مواطنين فضلاً عن مصاهرة البعض لهم.
ثم التفكير بحلول إنسانية لمن لا تنطبق عليهم شروط الجنسية بشكل صريح، إذ إن هؤلاء أيضاً ليسوا بغريبين عن مجتمعنا سواء في الحالة الكويتية أو في الحالات الشبيهة، إذ إن طول إقامتهم واندماجهم في المجتمع فضلاً عن صلاتهم بالمواطنين من حيث النسب والمصاهرة يجعلهم مؤهلين للنظر في أمر تجنيسهم بعد أن يتم تجنيس الفئة الأولى وهي التي تنطبق عليها شروط التجنيس.
على أي حال، نحن بحاجة إلى مناقشة مسائل الجنسية بمشكلاتها المختلفة وعلى رأسها مشكلة عديمي الجنسية بشكل هادئ وبعقل مفتوح، كي نتوصل إلى أفضل الحلول التي تساعد مجتمعاتنا على حل مشكلاتنا قبل تفاقمها وربما حصول ما لا يحمد عقباه.