الهوية الوطنية والشخصية العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الحقائق الثابتة في الواقع العربي على مر التاريخ، أنه ليس هناك تناقض و ينبغي ألا يكون هناك تناقض بين الوطنية مثلًا وبين القومية، ولا بين القومية والرسالات السماوية. كما لايبدو هناك اختلاف كبير في الشخصية الوطنية لأية دولة في الوطن العربي الكبير، مهما كانت مكوناتها لافي منابع الهوية ولا في ملامح الشخصية.

فكل دولة عربية هي بالتاريخ وبالجغرافيا وبالعقيدة الدينية لغالبية مواطنيها، لابد أن تكون جزءاً من الوطن العربي بالثقافة وجزءً من الأمة الإسلامية بالحضارة وجزءاً من القارة الأفريقية أو الآسيوية بالجغرافيا، ولابد أن يطبع التاريخ الواحد، والحضارة الواحدة والجغرافيا الواحدة الشخصية الوطنية أو الهوية الثقافية لأية دولة عربية بطابعها، ما يؤكد السمات المشتركة للشخصية الوطنية.

وبينما يكتب المصريون دستور ثورة الثلاثين من يونيو الشعبية، يبدو من الضروري إعادة التأكيد على الهوية العربية لمصر بعد محاولات تغييبها، وذلك بعد التأكيد على الهوية الحضارية الوطنية التي شكلها التاريخ والجغرافيا والرسالات السماوية، وهنا ينبغي الحذر من تجاهل تأكيد الهوية العربية والإسلامية للدولة المصرية، بما يعني تحقيق إشاعات الإخوان الذين غيبوا البعد العروبي لمصر، أن الثورة الشعبية جاءت للانقلاب على الهوية الإسلامية.

وزعمهم أن التيارات القومية و الليبرالية تجافي الدين، ولا يدافع عن الدين في مصر إلا الإخوان والسلفيون. بينما المصريون بالطبيعة متدينون. وهنا فإن الرد على ذلك لا يكون بتهميش الهوية العربية والإسلامية لمصر بل بتأكيدها، فليس ثبوت شهادة الزور على الدين الإسلامي وعلى الوطنية المصرية وعلى القومية العربية من بعض الجماعات أو الأحزاب الإسلاموية مبرراً لتهميش البعد الإسلامي للهوية المصرية، لأن امتلاء ساحة المحكمة بالشهود الزور لا يعني إلغاء القضاء!

الوطنية المصرية هي الإطار الجامع للشعب المصري الواحد من كل أبناء الديانات والمذاهب والأعراق في الوطن المصري الواحد، والقومية العربية هي الانتماء الواحد للثقافة العربية في الإطار الأوسع الجامع للشعب العربي الواحد على امتداد الوطن العربي من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، والعقيدة الدينية الإسلامية مثلاً، تجمع جميع المصريين وجميع العرب وجميع المؤمنين بها على امتداد الوطن الواحد والأمة الواحدة، والعالم كله من كل القوميات .

وبينما تشكل ثقافة العروبة الإطار الجامع لكل العقائد والأيديولوجيات فإنها في الوقت نفسه تمثل حلاً لمسألة الأقليات الدينية، وبينما تشكل ثقافة الإسلام الإطار الجامع لكل الإثنيات ولكل المذاهب الدينية، فإنها تمثل في الوقت نفسه حلاً لمسألة الأقليات القومية، والثقافة العربية والإسلامية معاً تمثلان الحل الديمقراطي الأمثل لمثل هذه المشاكل السياسية المتعددة والمتوترة في الوطن العربي.

إن هذا الربط بين دوائر الهوية الثلاث يحول مشكلة التناقضات المفتعلة إلى حل، لأن هناك من النخبة الثقافية من يضع الوطنية بديلاً عن العروبة أو من يضع العروبة بديلة للإسلام أو من يضع الدين نقيضاً للوطنية والقومية معاً.

من هنا فإن تلازم الإسلام والعروبة معاً يشكل الإطار الجامع لجل مكونات الأمة والحل الأمثل لمشكلاتها الوطنية، هذا مع احترام العقائد السماوية الأخرى والمساواة مع أخوة الوطن في الحقوق والواجبات، حيث " لهم مالنا وعليهم ماعلينا ".

هنا نحتكم إلى مقياس العصر وهو «الديمقراطية». أليست هي في النهاية التعبير الفكري والعملي لرؤى الغالبية الشعبية؟ أليس القرار في عملية التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات السليمة يؤول للأغلبية؟ وهل غالبية السكان في منطقتنا غير عرب. أو في شرقنا غير مسلمين؟

مجرد سؤال..والإجابة تشير إلى أن غالبية السكان ينتمون للعروبة ويدينون بالإسلام، فمعنى ذلك أنهما يمثلان مرجعية الأغلبية الشعبية ولها بالديمقراطية حق الهوية الثقافية للغالبية، ولا يعني ذلك بأي حال أن الحكم يعني التحكم أو أن السلطة تعني التسلط من جانب الأغلبية على الأقلية.

ولكن كيف تمثل الثقافة الإسلامية حلاً للمسألة القومية؟ إذا كانت حقيقة أن المسلمين من كل الأعراق هم الغالبية الكبرى في العراق مثلاً، فإن الإسلام يصبح هو الصيغة الجامعة لهذه الغالبية المتعددة الأعراق، وهو يحل بهذا مشكلة الأقليات القومية، ويتيح التعددية القومية في إطار الدين الواحد الجامع لها جميعاً مصداقاً لقول الله تعالى «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

وإذا كان الإسلام يعترف بالتمايز القومي ويساوي بين المسلمين حيث «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، فهل هناك دين آخر تدين به غالبية السكان ويعترف بجميع الأديان الأخرى، ويتيح حل مشكلة الصراع العرقي غير الإسلام الذي لا يعترف بالقوميات فقط، ولكن بجميع الرسالات السماوية الأخرى ويساوي بين المؤمنين بالله جميعاً على قاعدة "لهم ما لنا من حقوق وعليهم ما علينا من واجبات".

أما كيف تكون «العروبة» حلاً لمشاكل الأقليات الدينية؟ فإن ما يجمع العربي المسلم مع العربي المسيحي أو العربي اليهودي أو غيره من العرب هو رباط العروبة بجذورها القومية حتى مع اختلاف الانتماءات الدينية، وبالتالي يكون بين أبناء الرسالات السماوية الثلاث رابط واحد يجمع بينهم وهو النسب والثقافة العربية. وهو بهذا يكون إطاراً توحيدياً جامعاً للأقليات الدينية،

والعاصم الذي يمنع القومية العربية من الطغيان على الأقليات القومية، هو الإسلام الذي يساوي بين القوميات، كما أنه العاصم الذي يمنع دين الغالبية من الطغيان على أبناء الأديان الأخرى، لأنه الدين الوحيد الذي يصدق بكل ما سبقه من أديان، ويمنع الظلم، أي ظلم، ويحرم العدوان، أي عدوان.

والذين يرون في الإسلام وحده إطاراً كافياً بغير عروبة نقول لهم: إن الإسلام هو الروح والعروبة هي الثقافة، ويكفي أن القرآن الكريم نزل إلى العالم كله باللغة العربية، وأن العرب هم الذين حملوا رسالته العظيمة إلى العالمين. والذين يرون أن العروبة هي إطار هذه الأمة بغير الإسلام، نقول لهم عروبة من تقصدون ؟ عروبة «أبو جهل»أم عروبة «محمد»، لهذا يبدو أن التلازم بين العروبة والإسلام هو ما يبدو، منطقياً وعملياً في حل مشاكل الهوية الوطنية للدول العربية .

 

Email