هل باتت قناة السويس تُمثّل حصان طروادة بالنسبة لمصر، أي الثغرة التي يمكن من خلالها تنفيذ المخططات الرامية إلى إضعاف مصر وتحويلها إلى دولة فاشلة من خلال محاولة إظهار عدم مقدرتها على بسط سيادتها على شواطئها؟

الأنباء الواردة إلى الأجهزة الأمنية المصرية تفيد بأن هناك خطة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لتعطيل الملاحة في القناة وذلك من خلال عقد صفقات مع تنظيمات إرهابية في غزة والعراق وسوريا لشن هجمات ضد السفن العابرة في المجرى الملاحي للقناة، ما الذي يهدف إليه هؤلاء؟

الإضرار بالقناة التي تمثل أحد أهم شرايين الاقتصاد المصري من جهة، وضرب الاستقرار السياسي والأمني بما يجعل فكرة التدخل الدولي في مصر مقبولة عالمياً، تحت حجة الحفاظ على سلامة شريان تجارة عالمي يهم العالم كله. التسريبات تؤكد أن هناك تعاوناً استخباراتياً أجنبيا مع تنظيم الإخوان للتصعيد بمنطقة القناة، وهو حديث يتسق مع الأنباء التي تعيشها مصر بشأن محاولة استنساخ فكرة الجيش الحر السوري. بتاريخ 22 سبتمبر المنصرم خرجت علينا ورقة بحثية من "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" وثيق الصلة بإسرائيل تحمل عنوان "ماذا لو أغلق المتمردون قناة السويس"؟ .

العنوان في حد ذاته يندرج تحت إطار التنبؤات التي تسعى إلى تحقيق ذاتها بذاتها أي أن المقصود ليس التساؤل والبحث عن الجواب بل تهيئة الأجواء لحدوث الفعل نفسه.

يتحدث التقرير عن ما يسميه الأمور الباعثة على الإحباط والتي تتمثل في صعوبة قيام المصريين بالدفاع عن القناة، لاسيما وأن كتائب الفرقان تزعم أنها ملتزمة باستهداف الطريق الذي تمر من خلاله حاملات الطائرات الصليبية والسفن التي تمثل شريان تجارة الكفار.

أما العبارة القاتلة وحجر الزاوية في التقرير هي تلك التي تقول: "إن الوضع الآن في مصر أصبح يشبه حركة التمرد الإسلامية المحدودة التي استمرت خلال تسعينات القرن الماضي، وفي ظل القدرات التقنية المعززة للمقاتلين الأجانب فإن هذه الجولة ستكون أكثر صعوبة لدرجة أن القاهرة قد لا تستطيع احتواءها"، هل التدخل الدولي إذن هو الحل؟ وماذا حال رأت مصر أن الأمر يقتضي وفقاً لمعطيات أمنها القومي وقف المرور في القناة لفترة زمنية ما، وهو في الواقع احتمال بعيد جداً لاسيما في ظل قدرة الجيش والشعب في مصر على حماية القناة بدمائهم مرة جديدة؟ ربما ينبغي إعادة قراءة صفحات التاريخ المصري القريب مرة جديدة ففي عام 1956 هاجم البريطانيون والفرنسيون والإسرائيليون معاً مصر عندما قام خالد الذكر الزعيم جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وباستحضار روح أحداث تلك الأيام يتساءل المراقب هل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه؟

قطعاً هناك روح ثأر أميركية من مصر قائمة بشكل كبير بسبب الخسائر التي ألحقتها ثورة 30 يونيو بمشروع أميركا الأكبر "الاستدارة نحو آسيا" والذي كانت تسخر فيه الراديكالية الإسلامية للعب دور الخنجر والخاصرة بالنسبة لروسيا والصين ولهذا قصة أخرى. غير أن هذا الثأر يمكن أن يدفع واشنطن والأطلسي لفعل سيناريو مشابه لما جرى في زمن العدوان الثلاثي ولن يعدموا وسيلة للترويج لهذا الهجوم والتدخل العسكري، هل من تصريحات أميركية عسكرية تؤكد ما ننحو إليه؟

بالفعل ففي العام 2011 تحدث الجنرال جيمس ماتيس قائد القيادة المركزية الأميركية بالقول إن الولايات المتحدة ستتعامل مع مصر دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً إذا أغلقت مصر قناة السويس أمام الولايات المتحدة وحلفائها.

هل من أيادٍ خفية لها مصلحة فعلية في إيقاف سريان الملاحة في القناة لمصرية؟ أيادٍ لها مصالح ظاهرة للعيان لا تداريها ولا تواريها؟

المؤكد أن إسرائيل تسعى إلى حفر مثل تلك القناة وأن المهندسين الإسرائيليين يعملون بلا كلل، ولو نظرياً لشق قناة جديدة تربط البحرين الأحمر والمتوسط بحيث تكون تلك القناة منافسة بقوة لقناة السويس.

هذه القناة يطلق عليها قناة بن جوريون الرجل الذي كان أداة رئيسة في قيام دولة إسرائيل وحال ظهور هذه القناة للنور حتماً ستتعرض مصر والمصريون لخسائر جمة. فهل نحن بصدد تنفيذ لأجندات نبوية مكذوبة تبدأ بتفعيل العنف المحلي والإقليمي ثم نرى سيناريو التدخل الدولي وفي هذه الأثناء تظهر إسرائيل بقناتها الجديدة؟ في الأسبوع الماضي حققت قناة السويس رقماً قياسياً في الحمولات العابرة بلغ 3.6 ملايين طن ما يؤكد الثقة الكبرى التي يوليها المجتمع الملاحي الدولي في إجراءات تأمين قناة السويس.. وعليه فإن السؤال هل المقصود بتخريب القناة أو أنباء تخريبها عطفاً على القناة الروسية التي جرى الحديث عنها أيضاً وبعد التعليق للمساعدات الأميركية هو بالفعل إفشال مصر؟

الجواب يقتضي قراءة لاحقة بإذن الله.