استراتيجية مصرية - إماراتية للأمن العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقدمت العلاقات الإماراتية - المصرية الأخوية والتاريخية، التي تأسست في عهد شيخ العرب الكبير، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، وإخوانهما حكام الإمارات، إلى أفق أوسع وأعمق، وإلى مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بعد الزيارات الرسمية المتبادلة على مستوى عال بين المسؤولين في البلدين الشقيقين.

وأهمها الزيارة الهامة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولي عهد أبو ظبي، لمصر العربية بعد ثورة يونيو الشعبية على الحكم الإخواني الفاشل، التي قوبلت بترحيب شعبي ورسمي كبير، يعكس تقدير الشعب العربي في مصر لمواقف دولة الإمارات قيادة وشعباً تجاه مصر.

والزيارة الهامة للدكتور حازم الببلاوي رئيس الحكومة المصرية لدولة الإمارات جاءت برسالة أخوية من الرئيس المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت، إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة،حفظه الله، تحمل أبلغ معاني التقدير من الشعب المصري للشعب الإماراتي الشقيق، للوقفة الأخوية لدولة الإمارات المساندة سياسياً، والداعمة اقتصادياً.

والواقع أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين لاتنبع من فراغ، لأن العلاقات المصرية - الإماراتية، والمصرية - الخليجية إنما تنبع من ضرورات أمن قومي عربي مشترك، بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية في محيط من المشاريع الدولية والإقليمية بأدواتها الداخلية، التي تستلزم بناء مشروع عربي استراتيجي مقابل لضمان الاستقلال الوطني والقومي ولحماية المصالح العربية.

ولهذا ، كان التصريح الهام للدكتور حازم الببلاوي في ختام زيارته عاكساً للرؤية الاستراتيجية المصرية بوضوح، حين قال: " إن أمن واستقرار وسلامة الخليج العربي هو من أمن واستقرار وسلامة الوطن العربي..

وإن الأمن الوطني للإمارات العربية هو من الأمن الوطني لمصر العربية"، مثلما كان توافقاً مع الرؤية الإماراتية والخليجية العربية، التي ترى في قوة مصر قوة للعرب جميعاً، وفي المساس بأمن وسلامة واستقرار مصر، هو مساس بأمن الخليج العربي وسلامة الوطن العربي.

ولا جدال في أن مصر بحقائق الجغرافيا ووقائع التاريخ هي الشقيقة الكبري في قلب الوطن العربي، والدولة الكبري في القارة الأفريقية، وإحدي أهم الدول الإقليمية الكبري في الأمة الإسلامية، وعلاقة التأثير والتأثر المتبادل بين الأمن الوطني والقومي والإقليمي، طبيعية وجبرية ومصيرية، سواء أرادت مصر أو لم ترد، وسواء أراد محيطها أو لم يرد، فذلك قدر ووجود شعب مصر، وشعوب العرب المشترك.

من هنا، فإن قوة مصر العربية المستقلة الإرادة والقرار، بسياسة خارجية، وفقاً لرؤية استراتيجية متوازنة مع الدول الكبري، وبثوابتها التاريخية التي ترى فيها جزءاً رئيساً من الوطن العربي وأساسياً من الأمة الإسلامية، ومحورياً في المحيط الأفرو آسيوي، هي ضرورة استراتيجية للأمن القومي والإقليمي، كحائط صد للتدخلات الدولية، باعتبارها قلب المنطقة، وحجر الزاوية فيها، وإن ضعف مصر هو ضعف لمحيطها الإقليمي، واختلال توازنه وتداعي استقراره.

إن نمو مصر واستقرارها يقوم على العدالة والديمقراطية والمساواة، بما يجعل مصر لكل المصريين، وخير الوطن لكل المواطنين، بلا إقصاء أو استئثار، أو تمييز لصالح فرد أو جماعة أو طبقة أو حزب على حساب عموم الشعب في المشاركة بحرية ومسؤولية في صنع القرار الوطني وفي عائد الثروة الوطنية..

وفي صياغة حاضره ومستقبله، سواء في دستورها أو قوانينها أو سياساتها الداخلية، ليس ضرورة أمن وطني فقط، بل ضرورة أمن قومي وإقليمي أيضاً، لأن ما يحدث في مصر سلباً أو إيجاباً يؤثر بالطبيعة في محيطها العربي والإسلامي.

واليوم وغداً، تقف مصر شعباً وجيشاً في مواجهة المؤامرات الخارجية، والحرب الإرهابية ودعاوى الفوضى، على مفترق طرق، بين استكمال مسار عملية التغيير وفقاً لخريطة المستقبل. أو عودة الاستبداد بثوب جديد بشعارات دينية متطرفة، أو الانزلاق إلى الفوضى الهدامة بشعارات ليبرالية متطرفة..

وشرور الفوضى لا يغفل عنها مسلم عاقل، ومخاطر الانقسام لا يتغافل عنها وطني مخلص، لافي مصر ولا في الوطن العربي ولا في الأمة الإسلامية. لا مصلحة لأي مصري أو عربي أو مسلم في ضعف مصر أو في غرقها في الفوضى أو في انزلاقها إلى مستنقع العنف الدامي، بالصدام غير المطلوب بين التيارات الفكرية أو الدينية أو المذهبية أو السياسة..

أو في المواجهة العنيفة بين الدولة بأدواتها الأمنية والمعارضة بوسائلها الثورية، والإرهاب بوسائله الدموية، لأنه إذا كان هدف الثورة هو البناء فلا عائد من وراء الفوضى سوى الهدم، ولا نتيجة من الصدام سوى الدم، وهو ما لا يتمناه عاقل وطني أو ثوري مصري أو عربي.

الثورة هي علم تغيير المجتمع، وفكر بناء المجتمع، وفلسفة صياغة المجتمع الجديد على أسس جديدة من العدالة و الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية، وصولا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية، ولا علم بلا عقل، ولا فكر بلا حكمة، ولا فلسفة بلا رؤية لواقع، وموقع الوطن المستقل مع دوائر محيطه القومي والإقليمي، ولواقع وموقع المواطن الحر ضمن علاقات مجتمعه.

وأخيراً، إن ضرورات الأمن الوطني المصري التي تتطابق مع الأمن القومي العربي من الخليج إلى المحيط، وتتشابك مع مقومات الأمن الإقليمي الإسلامي من المحيط إلى المحيط، في مواجهة التهديد الاستراتيجي الصهيوأمريكي على المنطقة، بدعاوى الفوضي باسم الربيع وبأدوات الإرهاب باسم الجهاد..

والساعي إلى تهديد الأمن الداخلي لدول المنطقة بأدواته المتخفية وراء شعارات إسلاموية وثورية وفوضوية، بهدف تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، تستلزم الحذر من تدويل الأزمات العربية، وتتطلب استدعاء المشروع الاستراتيجي العربي الذي يحقق تكاملًا تنموياً وأمنياً بين دول "الوطن" العربي..

وتضامناً مع "المحيط" الإسلامي، وتعاوناً مع "الجوار" الإقليمي، فلا مجال لتمدد المؤامرات الاستعمارية في أوطان أمتنا إلا في فراغ خلافاتنا البينية ونزاعاتنا السياسية، وبالانزلاق في دوائر الفتن المذهبية والطائفية والانقسامات العرقية، ولا سد عالياً لصدها جميعاً إلا الوحدة الوطنية والعربية والإسلامية .

 

Email