دخلت الهند سباق اكتشاف الفضاء لتذكرنا بما يحدثنا به التاريخ حول السباق الذي جرى قبل خمسة قرون بين القوى الأوروبية لاكتشاف الكرة الأرضية وتحديداً طريقاً للهند لا يمر بموانئ العالم الإسلامي، التي كانت تسيطر على خطوط التجارة العالمية البحرية والبرية. سباق ارتياد الفضاء بدأه الاتحاد السوفيتي في العام 1957 بإطلاق قمر صناعي بداخله الكلبة لايكا، ثم برائد فضاء اسمه يوري جاجارين 1961، ليدشن بهذين الإنجازين سباقاً لارتياد الفضاء بينه وبين القوة الأخرى الأمريكية، التي صمم رئيسها جون كنيدي أن يضع علم بلاده على سطح القمر في العام 1969، وكان له ما أراد.

ويبدو أن نجاح الهند في إطلاق مسبار غير مأهول للوصول إلى المريخ سيفتح المضمار على مصراعيه لسباق بين دول آسيوية وعلى رأسها الجارة الكبيرة الصين، والدولة المتفوقة تقنياً اليابان، والدولتان باءت جهودهما بالفشل للوصول إلى الكوكب الأحمر.

ولعل أكثر من ينظر شزراً إلى هذه الرحلة هي الجارة باكستان، التي يثير مخاوفها أي تقدم هندي، وبالتالي فقد حاولت باكستان المستحيل للتوصل إلى السلاح النووي لكي تخلق توازناً مع جارتها التي سبقتها في امتلاك ذلك السلاح الرهيب. ومن المعروف أن العداء بين الدولتين متأصل بعد حروب ثلاثة خاضتها في سنوات 47-1948 و1965 وأخيراً 1971، كان من تداعيات الحرب الأخيرة انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وقيام دولة بنغلادش محلها.

لكن شتان ما بين الدولتين اللتين كانتا تمثلان دولة واحدة قبل انفصالهما إبان الاستقلال في العام 1947 لتصبح باكستان بجناحيها الشرقي والغربي دولة ذات صبغة دينية، وهذا ما يشير إليه اسمها ( أرض الطهارة )، وبين دولة مدنية اختارت لنفسها طريق الديمقراطية لتكون التجربة الأولى في العالم الثالث، من حيث قدرة نظامها الديمقراطي على الصمود. بالطبع، لا أحد يقارن ديمقراطيتها بتلك الموجودة في الدول الغربية، لا من حيث قاعدة المشاركة الشعبية أو التطبيق الفعلي أو حتى من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وغيرها. غير أن الهند تتمتع بنخبة متعلمة تعليماً غربياً وتشارك في هدف بناء دولة هندية عصرية.

أما جارتها باكستان، فقد عانت طويلاً من حكم العسكر، الذين استفادوا من الحرب الباردة والخلاف الصيني السوفيتي، وتمثل ذلك في حكم الجنرال أيوب خان من 1958 إلى 1969. ثم الجنرال ضياء الحق الذي استولى على السلطة في العام 1977 ليلقى مصرعه بعد أحد عشر عاماً. وقد سطع نجمه أيام الجهاد الأفغاني ومحاربة القوات السوفيتية في أفغانستان.

وفي العام 1999 وثب على السلطة الجنرال برويز مشرف ليبقى فيها تسع سنوات. أما النخبة السياسية الباكستانية فإنها منقسمة أشد الانقسام بين بناء الدولة المدنية أو الدينية، وتحمل حركة طالبان المتشددة السلاح بوجه الحكومة، وتثير فرق دينية أخرى أكثر تشدداً حرباً طائفية.

والهند بلد الأديان والملل والنحل، لكن غالبية المليار والمئتى مليون من سكانها هم من الهندوس. أما المسلمون فيفوق عددهم المئتي مليون، مع بضع ملايين من المسيحيين والسيخ وغيرهم. قلة عدد المسلمين لم يمنع من أن يصل أربعة مسلمين لسدة رئاسة هذه الدولة من أصل 13 رئيساً حكموها منذ الاستقلال. كان أولهم زاكر حسين (67 1969 ) وآخرهم أبو بكر زين العابدين عبد الكلام (2002 2007 )، وهو عالم صواريخ وذرة مشهور.

النظام المدني منح الهند استقرارها السياسي، وأعطى أقلياتها الاطمئنان النفسي، فانطلقت في دروب التطور خاصة بعد الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة بدءاً من العام 1991. وأصبحت الهند تنمو سنوياً بمعدل ضعفي نمو باكستان، ولم تتأثر كثيراً بالأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم في السنوات الماضية. ومكنتها قوتها العاملة المدربة والمتعلمة والتي هي أقل قليلاً من النصف مليار، يعمل ثلثها في الصناعة، من أن تصبح رائدة في الصناعة المعلوماتية والبرمجيات.

وتحولت مدينة بنغلور إلى وادي سيليكون جديد يضاهي ذاك الموجود في كاليفورنيا. ما نحتاجه في بلادنا التي مرت بالربيع العربي أن نتخذ الهند نموذجاً لنا، أو على الأقل أن نستفيد من تجربتها.