كيري في الإمارات ولافروف بمصر

مثلما تأكدت العلاقات الاستراتيجية الخليجية المصرية في يوليو الماضي في مسارعة الإمارات والسعودية والكويت لدعم الاقتصاد المصري بما قيمته 12 مليار دولار بعد إسقاط الشعب المصري للحكم الإخواني، بما يعكس سياسة مشتركة ثابتة في دعم مصر إزاء الضغوط الخارجية والأزمات الداخلية، باعتبار مصر هي القاعدة الاستراتيجية للأمن القومي العربي والأمن الخليجي العربي جزء أساسي فيه.

تواصل العلاقات الاستراتيجية الإماراتية المصرية تقدمها بصورة متنامية تجلت في زيادة الدعم الإماراتي أخيراً لمصر إلى نحو خمسة مليارات دولار، وتقديم حزمة مشروعات استثمارية ضخمة لتنشيط حركة الاقتصاد المصري، مثلما تنمو العلاقات المصرية السعودية بصورة حثيثة تجلت آخر مظاهرها مثلاً في مسارعة السعودية والإمارات لتزويد مصر بالغاز بكميات كبيرة لمواجهة أزمة البوتاجاز الأخيرة فور ظهور الأزمة المفتعلة.

هذا يشكل قاعدة لتصليب الموقف العربي بما انعكس إيجابياً على العلاقات بين العواصم الثلاث وبين القوى الدولية الكبرى، ومع الدول الإقليمية الكبرى، وبما عكس قوة تأثير العواصم الثلاث على السياسات والتوجهات الأميركية خصوصاً بحرصها على تصحيح مواقفها في علاقاتها مع العواصم الثلاث خصوصاً تجاه الملفات الثلاثة الرئيسية في المنطقة خصوصاً الملف المصري والسوري والإيراني والفلسطيني.

وبالتوازي، تسارعت التحركات الدولية خاصة الأميركية والروسية على الساحة العربية على محاور رئيسية عدة هي مصر والسعودية والإمارات خلال الأسبوع الماضي في سعي حثيث لحل الأزمات المتفجرة، ولاحتواء التوترات المحتقنة بالمنطقة على مستوى ثلاث أزمات، باتجاه الحل السياسي عبر المفاوضات للأزمة السورية عبر "جنيف 2"، وللملف النووي الإيراني عبر مفاوضات (5+1) بجنيف أيضاً، ودعم استقرار مصر باحترام إرادة غالبية الشعب المصري الذي أسقط الحكم الإخواني بثورة 30 يونيو الشعبية.

آخر المشاهد هو المؤتمر الصحافي الذي جمع سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات مع نظيره الأميركي جون كيري في أبوظبي وما صدر فيه من تصريحات إيجابية تعكس الرؤى المشتركة للوزيرين العربي والأميركي خاصة تجاه مصر..

فيما يعيد إلى الأذهان التصريحات التي صدرت عن لقاء الوزيرين في لندن عندما سارع الشيخ عبدالله بن زايد إلى وقف تصاعد الضغوط الأميركية ضد مصر، ومسارعة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى لقاء الرئيس الفرنسي أولاند في باريس لتحقيق الغاية نفسها.

لقد أدلى كيري، في أبوظبي بتصريحات إيجابية عن مصر ولعله فيها يحاول إرضاء الإمارات التي أبدت استياءها من التجميد الجزئي للمساعدات العسكرية الأميركية لمصر، منها: "أشعر أن تطورات الأمور في مصر تسير بشكل سليم، وأن المصريون ماضون قدماً في خارطة المستقبل".

وقال "أشعر بالسرور أني بدأت رحلتي تلك بزيارة مصر، لأن الولايات المتحدة ترغب بقوة في حكومة مدنية شاملة وبأن تكون مصر دولة ديمقراطية تحترم حقوق وحريات جميع المصريين، وليس الأمر بالنسبة إلى مصر فقط بل إلى كل المنطقة".

وقال كيري أيضاً "اتفقنا مع الإمارات والسعودية وأكثر من دولة خليجية على ضرورة دعم مصر في تحولها السياسي، ودعمها اقتصادياً بصورة كبيرة حتى يستعيد اقتصاد البلاد عافيته".

كيري كان قد ألقى بتصريحات إيجابية لافتة في القاهرة قبل تصريحاته في أبوظبي، تراجع فيها الموقف السياسي الأميركي بصورة غير مسبوقة تجاه الوضع في مصر بما يعني الاعتراف بالتغيير الذي حدث في مصر، والتراجع المعلن عن دعم واشنطن لجماعة الإخوان، وإدانة العنف والإرهاب ضد الجيش والشرطة..

وألقى كيري جملة صحيحة غير مسبوقة هي "إن مصر دولة قائدة في الشرق قبل أن توجد أميركا"، وما كان ذلك ليحدث لولا صلابة تحالف الشعب والجيش المصري ولولا قوة الدعم العربي خصوصاً من أبوظبي والرياض والكويت.

وكان اللافت لأنظار المراقبين أن زيارته للقاهرة كانت قبل يوم واحد من محاكمة حليفهم الرئيس الإخواني المعزول وبينما ظلوا يمارسون الضغوط والتهديدات لمنع محاكمته، لم يصرح بكلمة تخص المحاكمة تحسباً للغضب المصري، وربما تكرر الموقف نفسه في الإمارات، إذ جاءت زيارته له بعد أيام قليلة من محاكمة أعضاء التنظيم الإخواني من المصريين والإماراتيين دون الإدلاء بأي تعليق تحسباً لاستياء الإمارات.

على المحور المصري شهدنا تغيراً إيجابياً استراتيجياً نوعياً في مستوى العلاقات المصرية الروسية، بتلك الزيارة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، التي تشكل اختراقاً قوياً للجدار الأميركي الحاجز بين موسكو والقاهرة، وذلك بكسر الطوق الأميركي والغربي حول مصر على مدى أربعة عقود، بعد أن قررت القيادة المصرية على ما يبدو الرد الاستراتيجي بالتوجه شرقاً لتأمين السلاح لجيشها حفاظاً على كرامتها..

وعلى أمنها القومي، بعد الموقف الأميركي غير المدروس بالتجميد الجزئي للمساعدات العسكرية في محاولة للضغط على القاهرة بعدم محاكمة الرئيس الإخواني المعزول بأمر الشعب.

لقد شهدنا خلال اليومين الماضيين محادثات بين الوزيرين الروسيين للخارجية والدفاع سيرغي لافروف وسيرغي شويغو مع نظيريهما المصريين الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للجيش المصري والسفير نبيل فهمي للتأسيس لعلاقات تعاون قوية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتقنية، ولا شك أنها تفتح آفاقاً غير مسبوقة للتعاون بين قوة عظمى دولية كروسيا التي فرضت وجودها وتأثيرها في العالم، وبين مصر العربية كقوة كبرى إقليمية أكدت قوة ثباتها في وجه الضغوط الغربية.

وكان ذلك نتيجة سوء الحسابات الأميركية والمقاربات الخاطئة لواشنطن مع الموقف المصري في تكرار للخطأ الأميركي الفادح عام 55 برفض تسليح الجيش المصري، إن اتجهت الثورة المصرية بقيادة جمال عبدالناصر إلى التواصل مع موسكو عبر القناة الصينية وعقد صفقة الأسلحة التشيكية. فكانت الصدمة الكبرى لواشنطن وتل أبيب والغرب. فما أشبه الليلة بالبارحة!