عاشت تسع مناطق في الكويت فوضى عارمة يوم الاثنين 11 الشهر الجاري، وذلك لانقطاع التيار الكهربائي فجأة، بسبب عطل فني، ورغم أن الانقطاع لم يستمر إلا أقل من ساعة، فإنه كان كافياً لإرباك الانسياب المروري، وتعطيل المصالح التجارية، وضجر أهالي تلك المناطق، ولعل ذلك الانقطاع كان أيضاً تذكيراً للجميع بمدى الإسراف والتبذير، بل الهدر الممارس في الكويت لهذا المرفق الضروري للحياة العصرية.

ويبدو أن هذا الإسراف والهدر ليس مقتصراً على الكويت، بل يشمل جميع الدول الخليجية، ولكن بتفاوت فيما بينها، فقد أطلق وزير النفط والغاز العماني محمد بن حمد الرمحي، تحذيراً من الهدر الجاري في منطقتنا، في المؤتمر الذي عقد في أبوظبي مؤخراً، حول الطاقة، حيث قال (والنقل على ذمة بي بي سي 10/11): "نهدر الكثير من الطاقة في المنطقة، والبراميل التي نستهلكها باتت تشكل تهديداً الآن لمنطقتنا بالتحديد... الدعم للطاقة يدمرنا حقاً الآن...

نحتاج ببساطة إلى رفع سعر البترول والكهرباء، والكهرباء في بعض الدول مجانية"، غير أن الإسراف والهدر في الكهرباء والماء في الكويت يفوق ما هو جار في باقي شقيقاتها الخليجية، ومظاهر ذلك لا تخطئها العين، من قبيل الإنارة المفرطة للبيوت، وتركها طوال الليل، بل وربما في أطراف النهار، وسوء استخدام المكيفات المركزية، التي أصبحت جزءاً من البيت الكويتي، التي توضع تصميماتها مع خريطة البيت، وكثيراً ما يسافر الكويتيون، ويتركون مكيفاتهم تعمل، رغم نداءات وزارة الكهرباء بإقفالها أو وضعها على درجة حرارة 30.

وأتعجب من أبنائي كيف لا يطيقون إلا البرودة الشديدة التي تحيل البيت إلى صقيع، من دون أن يعلموا مدى الهدر الذي يمارسونه في ذلك، وهم ليسوا الوحيدين، فأترابهم من أبناء الجيل الجديد، الذين عاشوا في نعماء "دولة الرفاه" وبركاتها، هم أيضاً كذلك، لا بل المضحك المبكي، أن العمالة الآسيوية الوافدة من سائقين وخدم، أضحوا هم أيضاً شأن "معازيبهم" لا يقوون على الحر، فكم من سيارة أراها عند مدارس أبنائي واقفة ومحركاتها دائرة، لأن السائق ينتظر داخل السيارة، وينعم بهواء المكيف، رغم أن الجو في الظل ـ خاصة هذه الأيام ـ رائع!

الماء العذب والماء قليل الملوحة هما أيضاً عرضة لهدر كبير عندنا في الكويت، وآيات ذلك الغسيل اليومي للسيارات، الذي ألحظه في الحي الذي أسكنه، الذي هو عينة مصغرة من أحياء الكويت. والغسيل يتم "بالهوز"، وليس "بالسطل" أو"التب" أو "الجردل"، بلهجة إخوتنا المصريين، ولا أعلم ما يعلق بالسيارة في ظرف 24 ساعة، كي تغسل بهذه الطريقة، اللهم إلا التبذير والبطر بالنعمة!

أما المياه قليلة الملوحة، التي نسميها في الكويت المياه الصليبية، نسبة إلى المنطقة التي تستخرج منها، فالهدر فيها حدث ولا حرج، فما إن يأتي يوما الثلاثاء والسبت (اليومان المخصصان لمنطقتي)، حتى يشمر السائقون والخدم عن سواعدهم، ويتسلون (لاحظوا يتسلون) بغسل الشارع وتحويله من أسود إلى أكثر سواداً، وذلك بملاحقة أي أتربة أو بحص، تكون موجودة في الشارع، حتى لدرجة فقدانه للطبقة الملساء، وذلك بفعل التعرية التي يسببها تدفق الماء من "الهوز"! ولو أردت تعداد الهدر والإسراف وآياته، لما وسعت ذلك صفحات كثيرة، وحسبي ما ذكرت أمثلة واقعية، تجري أمام ناظري كل يوم.

ولعل أبرز أسباب الهدر في الكويت هو الدعم الحكومي الذي يجعل الكهرباء والماء خدمات شبه مجانية، فالمواطن (والمقيم) يدفع فلسين للكيلووات كهرباء، بينما تكلفة إنتاجه تبلغ خمسين فلساً، بمعنى أن الدولة تتحمل 48 فلساً! وسعر الألف غالون من المياه العذبة لا يتجاوز الدينار الواحد، في حين أن تكلفة إنتاجه أعلى من ذلك بكثير، أما المياه قليلة الملوحة ففاتورتها لا تتجاوز الدينار الواحد شهرياً، بغض النظر عن كمية الصرف!

والكويت لا تتبع نظام الحصة في تسعيرة الكهرباء، والتسعيرة تقريباً واحدة بين الاستخدام الشخصي، والاستخدام التجاري، فيما عدا الشاليهات الموجودة على البحر فيدفع أصحابها 10 فلوس للكيلووات. لا عجب إذاً من وجود الإسراف والتبذير والهدر، وربما البطر، ولا عجب أن الدولة تدفع مبلغاً ضخماً لدعم الكهرباء والماء، وصل إلى 2708 ملايين دينار (حوالي 9.5 مليارات دولار)!