شراكة استراتيجية عربية إفريقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي انعقاد القمة العربية الإفريقية الثالثة التي اختتمت أعمالها في الكويت على ضفاف الخليج العربي أمس الأول بنجاح، ليؤكد الانطلاقة الجديدة لمسار الشراكة في التنمية وتعزير العلاقات الطبيعية بين القارة الواعدة والأمة الصاعدة، دفعا لمسارات القمم السابقة..

وذلك بعد مرور ثلاث سنوات فقط على انعقاد القمة العربية - الإفريقية الثانية عام 2010 في ليبيا على شاطئ البحر المتوسط، والتي أعادت الروح إلى مسار التضامن العربي الإفريقي، بعد انقطاع طويل استمر 33 عاما، أي ما يوازي أكثر من ثلث قرن على انعقاد القمة العربية الإفريقية الأولى في القاهرة على ضفاف النيل عام 1977 والتي أسست لانطلاق مسار القمة العربية الإفريقية.

وكان قد تم التوافق في القمة الثانية في ليبيا على عقد القمة الثالثة في الكويت عام 2013، من أجل تطوير العمل العربي الإفريقي في جميع المجالات، كما تم إقرار الانعقاد الدوري للقمة المشتركة كل 3 أعوام، نظرا لأهمية توثيق العلاقات الاستراتيجية، خاصة الاقتصادية والتنموية، بين الفضاءين العربي والإفريقي.

وقد شارك وفد دولة الإمارات العربية المتحدة برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في القمة العربية الإفريقية الثالثة في الكويت التي انعقدت تحت شعار "الشراكة في التنمية والاستثمار"، وعكست الجلسة الافتتاحية للقمة من الوقائع الإيجابية ما أشار إلى بداية ناجحة وبشر بالنتائج الإيجابية التي ظهرت في ختامها، والتي تضمنتها قراراتها وأكدتها مبادئ "إعلان الكويت" من توجهات استراتيجية مستقبلية.

ففي الكلمة الافتتاحية للشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، رئيس القمة العربية الإفريقية الثالثة، أوضح حرصه على تركيز المؤتمر فقط على القضايا المشتركة في المجالات الاقتصادية والتنموية، في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه الفضاءين بفعل المتغيرات والأزمات الدولية، وأعلن عن تقديم الكويت مليار دولار دعما لمشروعات التنمية في إفريقيا، ودفعا لجهود الشراكة في الاستثمار سعيا لتحقيق الحياة الكريمة للشعوب الإفريقية والعربية الشقيقة.

ولا شك أن دولة الكويت الشقيقة التي نجحت في رعاية أول مؤتمر للقمة الاقتصادية والتنموية العربية على أرضها عام 2009، والتي نجحت في احتضان أول مؤتمر للقمة الاقتصادية والتنموية العربية الإفريقية في رحابها عام 2013، جديرة بالتقدير العربي والإفريقي، وهي في ذلك تنطلق من إدراك أن الاقتصاد هو المفتاح السحري للسياسة، وأن تعزيز المصالح الاقتصادية يفتح الباب لحل المشاكل السياسية داخل القارة الإفريقية وداخل الأمة العربية.

ورغم أن هذا المنطلق صحيح وأثبت جدواه في أوروبا ذات الطبيعة البراغماتية، حيث جاء الاتحاد الأوروبي ثمرة للاتفاقيات التي وحدت المصالح الاقتصادية عبورا بها على المشاكل السياسية التاريخية، إلا أنه في الأمة العربية وفي القارة الإفريقية حيث المبادئ قبل المصالح، فإن ما ثبت تأثيره هو تلازم المبادئ مع المصالح، وتكامل السياسة والثقافة مع الاقتصاد والاستثمار، إذ لا سياسة مستقلة بلا اقتصاد قوي، ولا اقتصاد قويا بدون شراكة إقليمية وبغير سياسة مستقلة.

والواقع أن الارتباط العربي الإفريقي حقيقة قائمة جغرافيا وتاريخيا، واقتصاديا وسياسيا، وثقافيا ودينيا، والحاجة المتبادلة للتكامل بينهما أصبحت أكثر إلحاحا، كما أكد معظم القادة المتحدثين في الجلسات المفتوحة. فالعرب والأفارقة كانوا يعانون معا من سيطرة الاستعمار الأوروبي نفسه، ويناضلون معا من أجل التحرر والاستقلال، ويشتركون معا في أصول قبلية واحدة، ويتطلعون معا إلى هدف الوحدة التي مزقها الاستعمار بالأمس وما زال يتآمر عليها اليوم، مثلما يحاول الفصل بين الأفارقة والعرب!

ولهذا كان الحضور المصري في هذه القمة بوفد عالي المستوى برئاسة الرئيس المستشار عدلي منصور، في أول مشاركة مصرية في قمة عربية أو إفريقية بعد ثور يونيو الشعبية، وهي مشاركة أساسية وضرورية وهامة وذات أكثر من دلالة، فليس معقولا ولا مقبولا أن تغيب الدولة الشقيقة الكبرى عن قمة عربية إفريقية بينما هي الدولة الرائدة لمسيرة القمم العربية والإفريقية.

فقد كانت القاهرة عاصمة مصر العربية هي التي احتضنت أول مؤتمر للقمة الإفريقية في العام 1964، ضمن ثلاثة مؤتمرات للقمة في عام واحد، بأول قمة عربية وأول قمة إفريقية، وقمة دول عدم الانحياز، عندما كانت مصر بقيادة جمال عبد الناصر تشكل ريادة حقيقية لحركة التحرر العربي والإفريقي والعالمي، كما شهدت أول قمة عربية إفريقية عام 1977.

وكان من نتيجة هذا الدور العربي التحرري الرائد الذي قادته القاهرة في إفريقيا في الخمسينات والستينات، والذي كان من نتائجه رحيل المستعمرين وارتفاع رايات الاستقلال على معظم أنحاء الأمة والقارة، أن قطع معظم الدول الإفريقية علاقاتها مع الكيان الصهيوني تضامنا مع الموقف العربي في حرب أكتوبر عام 1973، ولم تعد العلاقات معه إلا بعد تحرير مصر لـ"سيناء" من الاحتلال الإسرائيلي.

وهنا يلفت النظر أن أول قمة إفريقية أسست لفكرة الوحدة الإفريقية قد عقدت في عاصمة عربية مصرية هي القاهرة، برئاسة الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر عام 64، وأن آخر قمة إفريقية عربية قبل قمة الكويت كانت في مدينة عربية ليبية هي "سرت" في الاحتفال بذكرى ميلاد الاتحاد الإفريقي.

وحيث يشكل العرب الأفارقة أكثر من نصف الوطن العربي، ومن ثلث سكان القارة الإفريقية، كما يشكل الأفارقة المسلمون نصف سكان القارة، من هنا يولي العالم العربي اهتماما أكبر وحضورا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا أوسع للتكامل مع إفريقيا، التي تقف في معظمها ظهيرا مساندا للقضايا العربية..

وعمقا استراتيجيا حقيقيا للوطن العربي، في ظل أزمة الغذاء والطاقة والمياه، ولمواجهة التوجه الغربي متعدد الأشكال الساعي لمنع وحدتها وتواصلها مع الوطن العربي..

فإن إفريقيا الناهضة باتحادها الواعد، تمثل للوطن العربي اليوم وغدا الامتداد والعمق الاستراتيجي الحيوي اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، بما تملكه من طاقات وثروات طبيعية قابلة للاستثمار والتنمية المشتركة، مثلما كانت بالأمس تمثل الظهير المساند لقضاياه، بل والشريك الرئيسي له في نضاله ضد العدوان الصهيوني والهيمنة الاستعمارية.. والعكس صحيح، خصوصا بعد نجاح القمة العربية الإفريقية الثالثة.. و"الثالثة ثابتة"!

 

Email