الاتحاد.. إنجاز إماراتي ونموذج عربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس الشعب العربي في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط هو الذي يرى في "يوم الاتحاد" عرساً وطنياً، باعثاً على الفرحة بما تحقق في الإمارات من إنجازات عملاقة على مدى العقود الأربعة الماضية..

ودافعاً للأمل بما سيتحقق لشعبها من أحلام على امتداد المستقبل، بل يشاركه في الاحتفال بهذا اليوم الشعب العربي في كل أجزاء الوطن العربي، الذي يرى في يوم الاتحاد الإماراتي عرساً قومياً، ويتطلع إلى يوم للاتحاد العربي باعتبار أن ما حققته الإمارات بشير أمل حينما أثبت أن تحقيق الآمال ممكن، وتجسيد الأحلام غير مستحيل.

إن الاحتفال بعيد الاتحاد الثاني والأربعين يأتي تخليداً لذكرى ميلاد الدولة الاتحادية في الثاني من ديسمبر عام 1971، حينما رفع الآباء المؤسسون راية الاتحاد إعلاناً بالميلاد الاتحادي الجديد، وكان في مقدمتهم المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مع إخوانهما حكام الإمارات.

لقد كان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هو الداعي الأول لهذا الاتحاد، انطلاقاً من فكره الوحدوي النابع من القيم الإسلامية الداعية إلى التوحيد، ومن الضرورات الوطنية الدافعة إلى الاتحاد، ومن الأهداف القومية الساعية إلى الوحدة العربية.

لقد كان حلم زايد التوحيدي غير محدود بحدود دولته، بل يمتد بامتداد حدود أمته. ولهذا جاء مسار حركته لتحقيق تلك الأهداف وتجسيد تلك الطموحات ذا اتجاهات ثلاثة؛ وطنية وإقليمية وقومية، وكان من الطبيعي أن يكون الاتجاه الأول على الصعيد الوطني الإماراتي، ليتبع ذلك الإنجاز التاريخي بسنوات دعوته لتأسيس مجلس التعاون الخليجي العربي، وظل لآخر لحظة في حياته ساعياً وداعياً للاتحاد العربي.

وبينما كان تحقيق الاتحاد بين شعب الإمارات في إماراته السبع حلماً راود الأجداد، ثم أصبح احتمالاً في جيل الآباء، فلقد أضحى بفضل الله وبجهود مؤسسي الاتحاد زايد وراشد، وبإرادة الشعب، حقيقة تجسدت في دولة عربية متحدة ناهضة، تحتل مكانة كبيرة، بدورها العربي وبإنجازاتها الوطنية الكبيرة وقيمها وتوجهاتها الإنسانية، ويقود مسيرتها خير خلف لخير سلف.

وبينما كانت المبادرة بالدعوة إلى الاتحاد مبادرة رسمية وفردية في بدايتها، فإن الاحتفال كل عام بميلاد الدولة الاتحادية أصبح شعبياً وجماعياً.. وبينما كان هذا الإنجاز الاتحادي وطنياً إماراتياً، فإن أكثر ما يؤكد حقيقة الوحدة العربية، هو أن الاحتفال اليوم بهذا الاتحاد أصبح قومياً عربياً.

إن قيمة الاحتفال الشعبي والرسمي الإماراتي والعربي الكبير هذه الأيام بعيد اتحاد الإمارات، إنما ينبع من القيم الوطنية والعربية والإسلامية، التي تستقر في وجدان شعبنا وتحفظها ذاكرة الأمة التاريخية عبر الأجيال، والتي تدعو إلى الاتحاد وتؤكد ضرورة الوحدة، وتحفظها مصادر التراث الديني والاجتماعي والشعبي عبر التاريخ.

غير أن هذا الاحتفال هذا العام تتضاعف وتتضح أهميته، وتتأكد ضرورته وطنياً وقومياً وشعبياً ورسمياً، أكثر في ضوء ما يواجه الأمة العربية والإسلامية من مشاريع تقسيمية صهيونية وغربية واضحة، وما يواجه الدول العربية والإسلامية من مشاريع تآمرية فتنوية وتحديات إخوانية وإرهابية كأدوات لتنفيذ المشاريع الاستعمارية، تتخذ من الدين غطاءً لإخفاء أهدافها الظلامية.

وهذه المشاريع الاستعمارية الخارجية، إنما تهدف لتشويه الحقيقة الزاهية للدين الإسلامي وتحويلها إلى صورة دامية باسم الجهاد، تريد تذويب الهوية العربية وتفكيك النظام العربي، مما يتطلب من العرب والمسلمين اليقظة والحذر مما يدبر لهذه الأمة، ومما يروج من أكاذيب وأراجيف ضدها، وهذا يلزمنا باستعادة بوصلتنا العربية استقلالاً عن البوصلة الغربية، وباستلهام صحيح المبادئ الإسلامية، بعيداً عن كل شهود الزور.

وتتأكد الأهمية الواضحة للتمسك بتدعيم الاتحاد وبالتلاحم الوطني، من أن مخططات إعادة التقسيم الجديدة للوطن العربي اتخذت أشكالاً جديدة في إطار ما يمكن تسميته "الغزو من الداخل"، بتحويل التنوع والاختلاف الطائفي والمذهبي والسياسي في أوطاننا إلى مشعل للفتن السياسية والطائفية والمذهبية، بعد أن فشل المستعمرون الجدد في فرض التقسيم على الخرائط الحالية بالغزو العسكري المباشر من الخارج.

وإذا كانت تلك المشاريع الاستعمارية هي التحدي الأكبر أمام أمتنا وأوطاننا، فإن تدعيم الوحدة الوطنية، وإعادة السلام والوحدة بين أجزائها، هو الاستجابة الضرورية المطلوبة لهذا التحدي، باعتبارها السد المنيع أمام مؤامرات تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.

ولهذا فإن أهم دروس النموذج الاتحادي العربي في الإمارات، هو إثبات أن الاتحاد العربي ممكن، بل هو الممكن الوحيد لاستعادة مكانة هذه الأمة التي تستحقها شعوبها بين الأمم على الخريطة العالمية، وأن استمرار التجزئة العربية غير مقبول وغير معقول، في ظل كل المتغيرات العالمية، وبعد كل الدروس الدولية التي تؤكد «ضرورة الاتحاد» بين الأجزاء.

ضرورة الاتحاد تتأكد لكل ذي عينين، من مشاهد تجمعات العالم التي تتوحد لتصنع الاتحادات السياسية أو التكتلات الاقتصادية الكبرى، بينما نحن في وطن العرب وأمة المسلمين وحدنا الذين نتعرض للتقسيم من الخارج، ونقتتل فيما بيننا تحت شعارات خادعة، في الطريق إلى واقع التقسيم تحقيقاً لأهداف أعداء الوطن والأمة، في حين يأمرنا الله بالوحدة.

ولهذا، فإن تطوير العلاقات العربية في اتجاه هدف استراتيجي هو الاتحاد، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تطور ثقافي وإعلامي وسياسي سليم، والمطلوب لتحقيق هذا الطموح المشروع، هو إشاعة ثقافة وحدوية ونهضوية عربية، ثقافة حضارية وإنسانية تبلور القواسم والسمات المشتركة في العقل والوجدان والضمير العربي، وبانتهاج سياسة وحدوية عربية تحمي أجزاء الوطن العربي من التدخلات الأجنبية، وتعالج آلام الشعب العربي، وتحقق آماله المشتركة في الوحدة والحرية والعدل والتنمية.

تهانينا لشعب الإمارات وقيادته الرشيدة بعيد الاتحاد، وتمنياتنا لهم ولأمتينا العربية والإسلامية بالخير والأمن والأمان.

 

Email