استيقظت من النوم ذاك الصباح، وأنا أتساءل كيف كنت أقضي وقتي في تلك الأيام السابقة للإنترنت. وفي هدأة الصباح رقدت هناك مستلقية فيما أحاول تذكر ما هو أول شيء كنت أقوم به تحديدا في الصباح، قبل أن تلفت كل تلك الشاشات انتباهي بالقوة، ماذا كنت أفعل في الليل؟ كيف كنت أمضي الوقت في عملي وخلال العطلات؟

وهل كان الوضع أكثر هدوءاً؟ أعتقد انه كان كذلك.

وبعد التفكير في كل هذه الأسئلة لبرهة من الوقت، قفزت من فراشي، ونقرت على جهاز الراديو، وشغلت جهاز الكمبيوتر المحمول، وطويت غطاء جهاز الـ "آي باد"، ومضيت أحملق في هاتفي الذكي، وما أن انتهيت من التدقيق في موقع "فيسبوك" و"تويتر" و"غوغل ترندس"، وفي حسابين على البريد الإلكتروني ومواقع ثلاث صحف، حتى شعرت بالحاجة إلى قيلولة.

صباح الخير يا أيها العالم!

والأسئلة المطروحة أعلاه قد يجدها شخص ما دون عمر الثلاثين أقرب إلى التأمل في أول شيء فعلته النساء في المناطق الواقعة على أطراف المستوطنات في أميركا الشمالية عند استيقاظهن في عربة "كونستيغا" خاصة بالمهاجرين الأميركيين جنوبا. وعندما تكون قد أمضيت كل حياتك كراشد على الشاشات، فإن الحياة بدونها لا بد أن تبدو ما قبل التاريخ.

لكن حتى بالنسبة إلى أولئك الذين نشأوا من دون إغواء الشاشات المتعددة، فإنهم لا يكادون يتخيلون حياتهم من دونها. وهذا ما يأسرني، فإلى أي حد يمكن أن يكون صعبا تذكر حقبتنا البدائية ما قبل عصر الشاشة التي ليست من الماضي البعيد، وكيف صرفنا وقتنا وطاقتنا في ذاك الوقت.

هل كان هناك حقا وقت من الأوقات عندما لم يكن علينا الرد على البريد الإلكتروني؟ وعندما لم يجذبنا موقع "فيسبوك" أو "بينترست" أو أي نوع من الإغواء على الإنترنت؟ وقبل أن نبحث في موقع "غوغل" عن كل جزيئة معلومات تافهة نرغب بمعرفتها كيف كنا نقضي هذا الوقت؟

أود أن أقول إنني كنت أمضي وقتي في ممارسة الرياضة، وقراءة الكتب الجميلة، ومصاحبة الأشخاص الذين أحبهم، وصقل المهارات الفنية المختلفة، لكن ربما أكون قد قضيت المزيد من الوقت على الهاتف. ولقد تأملت بهذا اللغز بعد مشاهدة حفل توزيع جوائز الأوسكار هذه السنة. وفيما كان النجوم يتبخترون متأنقين على شاشات التلفزة، تصفحت موقع "فيسبوك"، وأرسلت أفكاري العرضية عن حفل توزيع جوائز الأوسكار، وقرأت ما أرسله الآخرون. وكان لدي شاشة ثالثة مدارة أيضا، باستخدام "آي باد" في سبيل تصفح الحقائق العاجلة حول النجوم.

وفي الوقت نفسه، على شاشتي الرابعة، أجبت عن بضعة نصوص على الهاتف.

هل سبق لي أن شاهدت حفل توزيع جوائز الأوسكار، وهل قمت بمشاهدة توزيع جوائز الأوسكار للتو؟

من فضلك، لا تكتب لتقول لي ان هذه طريقة عيش مجنونة. قد يكون ذلك صحيحا، لكنها الطريقة التي يعيشها ملايين الأشخاص حاليا، في تواصل مستمر مصمم لمعرفة كل شيء عن كل شيء في كل الأوقات.

وكنت أخيرا عند أحد الأصدقاء أتناول العشاء. ولعدة مرات عندما كان يطرح الحديث أسئلة لا أحد يستطيع الإجابة عليها (ما كان اسم كذا؟ وتاريخه؟)، كان بعض الذين يتناولون العشاء يميلون للقفز من الطاولة لجلب جهاز الكمبيوتر المحمول للعثور على الإجابة.

ولحسن الحظ، كانت لدينا قوة التحمل الجماعية لمنع إحضار الشاشات إلى طاولة العشاء، لكن ما أن بدأنا في لم الأطباق حتى كان المضيف على كمبيوتره يبحث عن أجوبة عن أسئلتنا التافهة.

وإغلاق الشاشات ليس خيارا معقولا بالنسبة لمعظمنا، على الرغم من أنه من الجيد أن نفكر بأن التكنولوجيا قد تقدم لنا في يوم من الأيام السبيل إلى أن نفعل ما نريد ونرغب به، من دون الشعور بهذا القدر من الاستنزاف والانكسار.

والحل الذي اطرحه على نفسي في الوقت الحالي هو الحفاظ على آلة الماندولين العائدة لعام 1923مربوطة إلى صدري، فيما أقوم بمهامي المتعددة إلكترونيا. فهناك شيء ما في هذا الإحساس بالخشب القديم، يبقيني على صلة بالأرض، تحت هذا الواقع الافتراضي.