يستعد الشعب المصري، الذي يتوق إلى الهدوء والاستقرار، للذهاب إلى صناديق الاقتراع، ليقول نعم للدستور الجديد، فرغم محاولات جماعة الإخوان المسلمين لتعطيل المسيرة الديمقراطية بتظاهراتهم البعيدة كل البعد عن السلمية، ولجوئهم إلى العنف وقطع الطرق وأعمال البلطجة، وغيرها، فإن هذه المحاولات لم تثن مجلس الخمسين عن الانتهاء من مهمته التاريخية..
وهي إنجاز دستور حضاري، يليق بالشعب المصري العريق، ويفتح له باب الأمل في حياة حرة كريمة، وهي أيضاً لن تعيق إصرار هذا الشعب على الانتقال من مرحلة الثورة بكل مخاضاتها، إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة، التي تطلع إليها شباب ثورتي الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو، ومعهم بقية أطياف المجتمع المصري، وهم يجودون بدمائهم رخيصة لها.
ولقد وضعت على المحك، جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، الذين يمتد تاريخهم إلى ثمانية عقود، حينما انتخبهم الشعب، وحسب أنه يختار أخف الضررين، غير أن سنة واحدة من حكمهم بقيادة الرئيس محمد مرسي، أوصلت السواد الأعظم من المصريين إلى قناعة بأن الإخوان لا يريدون حكماً ديمقراطياً، يتم فيه تداول السلطة، بل "التكويش" على جميع مؤسسات الدولة، والبقاء في السلطة، ليعيدوا كرة حكم مبارك، وربما أسوأ منه بكثير.
فهم لم تكفهم نتائج تلك الانتخابات المتعجلة، التي كسبوا فيها، على حين غرة مقاعد مجلس الشعب ومجلس الشورى، فضلاً عن تشكيلهم لحكومة الطيف الواحد، بل حاولوا الاقتراب من المؤسسة العسكرية، وإيجاد موطئ قدم لهم فيها، وليتهم اكتفوا بذلك، بل أصبحوا يدعون أن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي ثورتهم، وأنهم هم الذين فجروها، وبالتالي يحق لهم التمتع بثمارها!
وغير بعيد عن هذا ما يجري في الثورة السورية من قبل جماعات الإسلام السياسي، كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروف اختصاراً بـ"داعش"..
فضلاً عن الجماعات المسلحة، التي يقف وراءها الإخوان المسلمون، فهذه الجماعات الإسلامية بتطرفها ورغبتها في تطبيق الشريعة الإسلامية، حسب زعمها وبفهمها الضيق للإسلام، قد أرعبت الشعب السوري، الذي ثار من أجل حريته وكرامته، ومحاولته إرساء دولة ديمقراطية جديدة على أشلاء دولة الأسد الاستبدادية.
وما أفضل من الخدمة، التي تسديها هذه التنظيمات المتطرفة، التي تدعي رفع لواء الإسلام، للنظام القمعي الحاكم، حينما أرعبت الأقليات المسيحية وغيرها بمهاجمة كنائسها، وتحطيم الصلبان عليها، ورفع الهلال بدلاً منها، بل وفي تهديمها في كثير من الأحيان ..
كما تظهر الصور، التي تتناقلها وكالات الأنباء - ضاربة عرض الحائط بحقيقة أن هذه الكنائس كانت موجودة، عندما فتح المسلمون أرض الشام في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وظلت قائمة من دون أن يمسسها أحد بسوء في كل العهود الإسلامية إلى عصرنا الحاضر.
وتغافل هؤلاء عن أنهم بعملهم هذا قد أرعبوا الدول الغربية، التي ناصرت الثورة السورية منذ البدء، وأنها باتت الآن تخشى من عراق آخر في سوريا، يجول فيها تنظيم القاعدة، ويصول ويملأها خراباً علي ما هي عليه من خراب الآن، ولا نتعجب إن قررت هذه الدول الامتناع عن مد الجيش السوري الحر بأسلحة حديثة، خشية أن تقع هذه الأسلحة في أيدي هؤلاء المتطرفين..
فيوجهوها إلى صدور القوى المدنية، قبل أن يوجهوها إلى قوات النظام. وانظروا إلى اليمن، فما الذي تجنيه القاعدة،حينما تهاجم وزارة الدفاع قبل مدة، فتقتل العشرات من الأبرياء، الذين ربما كان معظمهم قد تواجد بالصدفة! إن القاعدة والتيار الديني المتشدد، قد خرج من رحم تيار الإخوان المسلمين، المتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي كان متحالفاً لفترة طويلة مع نظام عبد الله صالح.
ما الذي جناه العراقيون من حكم حزب الدعوة الديني، وهو صنو حزب الإخوان المسلمين ولكنه حزب شيعي؟ لم يجن غير الطائفية، وتمزيق العراق، والتفريق بين أبنائه، والتفريط في ثرواته. هل يعقل أن يعيش العراقي في فقر وإملاق وخدمات، تنتمي إلى القرون الوسطى، وفي باطن أرضه أكبر احتياطي من النفط في العالم؟!
حسبنا هذا، فهو غيض من فيض ما عملت جماعات الإسلام السياسي وتعمل.