عام يمضي بإشاراته وآخر يطل ببشاراته

بينما نقف على مشارف نهاية العام 2013 الذي يمكن وصفه بحق بعام التغيرات والإشارات الكبرى، ليس في وطننا العربي فقط بل أيضاً وفي العالم كله، ونتأهب للإطلال على عام 2014 الذي نأمل بحق أن يكون عام التحولات والبشارات الكبرى، فلنصلي فيه جميعاً ليكون عام انتصار لقيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، وعام استعادة الأمن والسلام لشعوب وطننا وأمتنا وعالمنا كله.

أغلب الدلائل تشير إلى أننا قد لا نكون فقط بانتظار عام ميلادي جديد، بل أيضاً ربما نقف على بدايات ميلاد عالم غير أحادي جديد، يضع العرب والمسلمين في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم التي تتعرض للهجمات والمؤامرات والصراعات أمام وقفة لابد منها للمراجعة والقراءة الواعية لمعادلات القوى العالمية الجديدة التي تتشكل، وللخرائط الإقليمية السياسية والاقتصادية التي يجري رسمها، ولاتجاه حركة التاريخ الجديد الذي يكتب.

وربما أن ضباب أحداث المعارك الخارجية والداخلية المأساوية، والحرائق المشتعلة السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية الناتجة عنها تحت عنوان "الربيع"، بينما كانت رياح الخريف وزوابعه وغيم الشتاء وصقيعه هي التي تلفح الجميع، قد جعل الرؤية تبدو قاتمة وغير واضحة بقدر كاف بما تشير بأكثر من إشارة لكنها لا تبشر بأي بشارة.

خصوصاً مع الجنايات المأساوية الكبرى التي وقعت خلف لافتة "ثورات الربيع العربي" في الدول العربية التي استهدفتها الاستراتيجية الغربية "للفوضى الهدامة" التي بدأت عام 74 في إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، لإعادة تقسيمها، لتتحول الدول من الثورة إلى الفوضى.

لكن ما أفشل المؤامرة الخبيثة أن تحالف الشعب والجيش المصري بقي واعياً لمخططات وألاعيب المتآمرين على الوطن والأمة العربية، وقادراً على أداء دوره التاريخي الوطني والقومي لإجهاض المشروع وتشكيل حائط الصد للهجمة التي تستهدف الدول العربية على مراحل، حينما حاول اللعب مع الجيش المصري واللعب على الشعب المصري للوقيعة بينهما لتمرير ركوب الأدوات الإخوانية على الموجة الثورية والسيطرة على السلطة!

وكان للدعم العربي الخليجي لمصر شعباً وحكومة وفي المقدمة منه الدعم الإماراتي والسعودي والكويتي الدور البالغ الأثر في تشكيل حائط صد عربي مؤثر في وجه التهديدات الغربية المعادية للإرادة الشعبية المصرية التي أجهضت خططها في المنطقة، والداعمة للجماعة الإخوانية التي كلفت تحت المظلة الأردوغانية العثمانية الجديدة بأداء مهمة الوكلاء الجدد لخدمات المصالح الأميركية التي في مقدمتها حماية أمن إسرائيل!

ورغم التراجع الظاهر على السطح في تصريحات الدوائر الأميركية والغربية اعترافاً بالإرادة الشعبية المصرية وبالتغيير في مصر إلا أنه يبدو أن ما على السطح يستهدف التغطية على ما تحت السطح..

حيث مؤامرات التنظيم الدولي للجماعة الإخوانية بدعم مخابراتي غربي، بإرهاب منظم وبحملات دعائية مسمومة (قطرية وتركية) وبأساليب خبيثة وبأدوات وممولة، لا تزال مستمرة وإن كانت فاشلة ويائسة، خصوصاً مع ثبات الدولة المصرية شعباً وجيشاً وشرطة في الانتقال الديمقراطي بالبلاد بالدستور وخارطة المستقبل من الثورة إلى الدولة!

لذلك، أرقب في الأفق أكثر من بشارة مع أكثر من إشارة، ليس من قبيل التفاؤل فقط بل من رصد لنتائج ما شهدته الأعوام الثلاثة الماضية من صراعات دامية عالية الكلفة الإنسانية عربياً وإسلامياً بما يجبر الجميع على المراجعة بل والتراجع أيضاً وصولاً بالحوار إلى الوحدة الوطنية والعربية، بعيداً عن طريق الندامة ووصولاً إلى طريق السلامة.

خصوصاً مع أكثر من إشارة لمتغيرات موازين القوى على القمة الدولية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً أيضاً في إعادة للتوازن الدولي، بتراجع أميركي وإعادة تموضع، وتقدم روسي وإعادة تمركز، وبقطبية ثنائية جديدة روسية وأميركية لابد أن تؤثر مباشرة على موازين القوى الإقليمية والوطنية، مع انتقال مركز الثقل العالمي من الغرب إلى الشرق في غروب وشروق!

فيما كان من أبرز المتغيرات والإشارات الكبرى هذا العام ما حدث في مصر، بقيام ثورة 30 يونيو الشعبية ضد حكم الإخوان الغاشم، الذي لم يصمد أكثر من عام واحد، نتيجة إساءاته إلى الدين الإسلامي بجهل، وبجنايته على الوطن المصري بهزل، وبتحديه للإرادة الشعبية الشرعية باستعلاء، وبانقلابه على الشرعية الدستورية بغباء، ما دفع بخروج ثلاثين مليون مصري إلى الميادين والشوارع لإسقاطه في أكبر مظاهرة بشرية احتجاجية في التاريخ!

تلك الثورة التاريخية التي صححت مسار ثورة يناير التي ابتلعها الإخوان بدعم الغرب والأميركان، والتي قلبت الموازين المختلة في المنطقة العربية والإسلامية فوصفوها بالانقلاب!

وأوقفت مسار مخططات الربيع الغربي المرسومة لإعادة تقسيم الوطن العربي فحاربوها بالإرهاب، بأدوات متعددة الألوان والأسماء ومتنوعة الحركات والجماعات، بعضها يتخفى وراء عباءات إسلاموية وبعضها يتدثر بقبعات غربية، بدعاوى الشريعة والشرعية أو بادعاء الحقوقية والثوروية، وبرغم ذلك أثرت تأثيراً ملحوظاً على ما تلاها من متغيرات إقليمية وعالمية!

في هذا العام الذي يجمع أوراقه ليمضي تاركاً المجال للعام الجديد لينطلق من الإشارات إلى البشارات يتصادف أن أكتب هذا المقال في فجر يوم 23 ديسمبر في ذكرى يوم النصر المصري في مدينة بورسعيد الباسلة على العدوان الثلاثي فيما يعرف "بحرب السويس".

ومنها بدأت الملحمة المصرية والعربية البطولية الكبرى التي شكلت بداية النهاية لعصر الاستعمار القديم، في واحدة من أمجد معارك الشعوب الصغيرة لتحقيق الاستقلال الوطني والدفاع عن الكرامة الوطنية، واستعادة الحقوق المغتصبة، برغم عدم التكافؤ العسكري بين قوى المقاومة الوطنية وقوى العدوان الاستعمارية!

ولقد كان من أبرز ما حققته حرب السويس أنها أجبرت الاستعمار البريطاني على الانسحاب ليس فقط من مصر وقناة السويس بل أيضاً من الخليج العربي في إطار سياسة الانكماش البريطاني فيما يعرف "باستراتيجية شرق السويس".

لقد أصبحت السويس بعد انتصار مصر في الحرب بدعم الأشقاء العرب والأصدقاء الروس علامة فارقة بين عصرين عصر ما قبل السويس وعصر ما بعد السويس!

 

الأكثر مشاركة