أصبحت الخصوصية في هذا العالم المتواصل بشكل كبير، بعيدة المنال كهباء الغبار، ولذلك نظمت ثوراتي الصغيرة. وأشعر بالثورة عندما أسجل دخولي على موقع بريدي، ويطلب مسؤولو "غوغل" مني وضع رقم هاتفي، عبر إشعار ينذر بالخطر في أعلى بريدي الوارد، وقد حدث ذلك مراراً وتكراراً، ويؤكد لي المسؤولون أن ذلك هو لحمايتي وأمني.
لكن لا، لا.. لن أعطي رقم هاتفي لحضرة "غوغل"، مهما كان عدد المرات التي تطلبه مني فيها تلك البرامج المجنونة، أو مقدار الذعر الذي تحاول إثارته في قلبي. لن يتم التلاعب بي بهذه الطريقة، حتى لو كان ذلك يعني اختفاء جميع بياناتي في يوم ما، وتحولها إلى ما يشبه الثقب الأسود الذي يبتلع النظارات الشمسية، والأقلام، وقفازات فصل الشتاء.
أثور عندما أذهب لركن منتجات العناية بالشعر، لأشتري الشامبو، فتقول الموظفة المرحة: "هل أنت مسجلة في نظامنا؟"، فأجيب بالنفي. تثور عواصف الفظاظة في داخلي، رغم أنني حاولت إخفاءها، لأن الموظفة تؤدي وظيفتها فحسب وتم دفع أجرها مقابل ذلك، إلا أنها تستهدف، حقاً، الشركة التي دربتها لتعتقد أنها مسؤولة فقط عن أخذ معلوماتك الشخصية، فقط لتستطيع غسل شعرك!أردفت الموظفة: ما هو بريدك الإلكتروني؟
أرد: هل عليّ فعلاً إعطاء بريدي الإلكتروني لأشتري الشامبو؟ وتقول "إنه لنظامنا". أجيب: أفضل ألا أكون في الأنظمة. فتضيف: إنه يساعدنا على تتبع ما تشترينه في حال عدم تذكرك للمنتج في المرة المقبلة التي تأتين فيها.
شيء بالغ الفظاظة، لكن الثوار ليسوا قديسين، ولم تكن الثورات أبداً مدعاةً للحب.
لقد أضحت الخصوصية واحدة من الكلمات الطنانة في وقتنا الحالي، وخسارةً لأحد أمورنا الأكثر إثارة للأسى، حيث يتطفل علينا "فيسبوك"، و"وكالة الأمن القومي"، وموقعا "غوغل" و"أمازون"، والجميع.
أحاول أن أقول لنفسي إن العيش في العالم الحديث ليس أسوأ بكثير من العيش في بلدة صغيرة، حيث يعرف الجميع لمن تعود السيارة التي قد تم ركنها في الجزء الأمامي من الخارج، ومن يأخذ حماماً شمسياً في الفناء الخلفي. غير أنني أتذكر بعدئذ جميع الروايات التي قرأتها عندما كنت فتاةً صغيرة، عن جميع الأشخاص الذين فروا من بلداتهم الصغيرة نحو المدينة الكبيرة هرباً من التطفل.
لا أحد يحب التطفل، وعلى الأقل كان لدى سكان البلدات الصغيرة في تلك الروايات، مكان ليلجأوا إليه سعياً وراء الحصول على الخصوصية. لكن المتطفلين، حالياً، منتشرون في كل مكان، ويتظاهرون بأن عملية الاقتحام تصب في مصلحتنا الخاصة.
يسألني أمين صندوق المتجر: هل ترغبين ببطاقة مكافآت؟ فأجيب: ليس اليوم. يردف قائلاً: لا يتطلب الأمر سوى دقيقةً فحسب.
حسناً، تُقدم بطاقة مكافآت السوبرماركت بعض الأمور التي يرغب فيها متمرد ما، مثل 10 علب من الزبادي بحوالي 5 دولارات؟ حسناً قم بتسجيلي. إلا أنني حافظت على موقف ثورتي في نموذج الاشتراك، من خلال كتابة رقم هاتف لم أعد استخدمه.
عندما ذكرت ثوراتي الصغيرة لزميل بارع في أمور التكنولوجيا، أرسل لي مقالاً نشر حديثاً في مجلة "فوربس"، حول الرموز البريدية، بحيث يفسر الكاتب لماذا يتعين عليك عدم إعطاء رموزك إلى منافذ بيع التجزئة، إلا بصورة نادرة.
وكان ذلك بمثابة خبر جيد، حيث يعتبر رقم الهاتف شخصياً وفريداً، لكن ماذا عن الرمز البريدي؟ وفقاً لمجلة "فوربس"، يمكن أن يتم ربط رمزك البريدي بمعلومات أخرى تقدمها لمحل ما، ومن ثم يتم استخدامها لإيجاد عنوانك، ورقم هاتفك، وتاريخ الشراء، مما يوفر للمسوقين طرقاً جديدة لاستهدافك. ويتسم المسوقون بسرعة الانفعال، والمكر والخوف كأية حكومة، لذا أتمرد عليهم.
وبصرف النظر عن مدى صغر حجم الثورات التي تقوم بها، فليس هنالك مهرب من القوى الهائلة التي تغزو خصوصيتنا كل يوم، ولا مفر من حقيقة أن شركات بطاقاتنا الائتمانية تعرف، على الأرجح، المزيد عنا، مقارنةً مع "وكالة الأمن القومي". لا تزال هذه الثورات الصغيرة تُوجد الوهم بالسيطرة، وهو أمر أفضل من عدم السيطرة على الإطلاق.. إلا أنه لا يتعين عليك بيع روحك، بل شراء شامبو فقط!