هل سيكون العام الجديد 2014 في منطقتنا العربية امتداداً لسابقه، أم سيطوي العرب صفحة ذلك العام المأساوية وينطلقون قدماً للأمام؟ ربما التحدي الأكبر الذي يواجه المنطقة العربية وشعوبها، هو كيف تمكن العودة إلى حالة الاستقرار، بعد المخاض العسير، الذي مرت به أكثر من دولة عربية نتيجة ثورات الربيع العربي، أو بالأحرى كيفية الانتقال من الثورة إلى الدولة، كي تجني الجماهير العربية العطشى إلى الحرية والعيش الكريم ثمار تضحياتها.
ومعلوم أن حالة المخاض ما زالت قائمة في كل تلك الدول التي شهدت ثورات، وإن بدرجات متفاوتة، بدءاً بسوريا، حيث تحولت الثورة السلمية إلى كفاح مسلح، دخلت فيه أطراف عديدة متناقضة في الطرح العقائدي، إلى حالة تونس، التي هي أخف حالات المخاض العربي حدة، والتي يبدو أنها ستعبر إلى حالة الاستقرار بسلام نتيجة التوافقات السياسية بين أقطاب العمل الحزبي فيها. والمراقبون يرون أن عنق الزجاجة للخروج من الحالة المصرية، ستكون في الاستفتاء على الدستور المزمع إجراؤه هذا الشهر، وما يتبعه من انتخابات للرئيس ومجلس الشعب. وسيكون الإخوان مصدر "إزعاج" للنظام الجديد، وليس مصدراً لوجوده، أما اليمن وليبيا فلا أظن أن أحداً قادر على التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور فيهما.
وقد أضحت الحالة العراقية المستعصية، مرتبطة بالحالة السورية إلى حد ما، فانتشار التنظيمات الدينية المتطرفة من قبيل "داعس" (تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية)، وانتشارها في مناطق ممتدة من شرقي سوريا إلى المحافظات الغربية العراقية ذات الأغلبية السنية، شكل مصدراً لصب الزيت على النار، فسكان هذه المناطق هم أصلاً في حالة "معارضة" للدولة العراقية بقيادة المالكي، وللسياسات الطائفية التي تتبعها. وتأتي أحداث الرمادي والفلوجة هذه الأيام، لتؤكد الحاجة إلى توحيد صفوف القوى العراقية المستنيرة، لخوض الانتخابات المقبلة، وهزيمة المشروع الطائفي بأحزابه الدينية المتعصبة.
وأظن أن العام 2014 سيكون عام الفرصة التاريخية للقوى المدنية، حيث شهدنا كيف أن الجماعات الدينية، وعلى رأسها الإخوان، قد سرقت الربيع العربي، وركبت موجته، وجيرت نتائجه لصالح مشروعها. وقد انكشف أمر الإخوان بعد أن وصلوا إلى السلطة، فقد أثبتوا أنهم أبعد ما يكونون عن مفاهيم الديمقراطية، وتداول السلطة والمواطنة المتساوية الحقوق وغيرها. ونرى ممارساتهم أيضاً في سوريا والعراق (في الحكم والمعارضة المسلحة)، وفي ليبيا واليمن وغيرها، وهي ممارسات أبعد ما تكون عن روح العصر، وخلق نظم عربية حديثة، تحترم حقوق الإنسان، وتحافظ على الوحدة الوطنية.
إذاً، هذا هو الوقت المناسبة لاستنهاض القوى المدنية والمستنيرة، وهذا هو وقت طرحها لبرنامجها التنويري والإصلاحي، القادر على إحداث نهضة شاملة بالأمة العربية فكراً وحركة.
إن القوى المدنية أمامها عمل شاق، بعد هذا الركام الطويل الذي خلفه حزب الإخوان والجماعات، التي خرجت من عباءته، سواء السنية منها أو الشيعية، حيث إن حزب الدعوة هو النسخة الشيعية من حزب الإخوان المسلمين، وكانت وما زالت من أدبياته كتب حسن البنا وسيد قطب.
فالمناهج المدرسية، التي ملأها الإخوان بفكرهم، بحاجة إلى مراجعة، لتخلق الإنسان المسلم المتسامح والمنفتح على العصر، والجمعيات الخيرية وصناديقها يلزمها الضبط والخضوع لقانون الدولة، ومعرفة قنوات التمويل وأوجه الصرف، والجهات المستفيدة. ومساجدنا بحاجة إلى أئمة يطرحون الإسلام بعيداً عن الحزبية، وينأون بأنفسهم عن الصراعات السياسية. وإعلامنا العربي بحاجة إلى محاربة الأفكار الطائفية والمتزمتة، وأن يكون عوناً على خلق جيل من المتلقين المستنيرين والمنفتحين. ولا شك في أن القوى المستنيرة، سواء كانت مدنية أم دينية، تستطيع أن تبعث الأمل في النفوس بخلق واقع عربي جديد، يسوده الإخاء بين جميع المواطنين، بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم، ويجذر ولاءهم للوطن على حساب الولاءات الفرعية، ومنها القبلية والدينية والمناطقية وغيرها، ويحقق لهم الرخاء عبر برنامج تنموي واقعي، يتجاوز الاعتراضات الاجتماعية التي طالما "تاجر" الإخوان وأمثالهم في إثارتها.