لك يا مصر السلامة

كانت الجريمة الإرهابية في المنصورة فاصلاً بين عهدين للإرهاب؛ عهد الانتشار قبل المنصورة، وعهد الانتحار بعد المنصورة.. مثلما كانت حرب السويس فاصلاً بين عصرين للاستعمار، عصر الانتشار قبل السويس، وعصر الاندحار بعد السويس.

فتلك العملية اللاإنسانية، والتي لا يمكن أن يرتكبها بالجهل والحقد والغباء، إلا أعداء الدين والوطن والدولة، وأعداء الشعب والجيش والشرطة، قد أشعلت انتفاضة الغضب الشعبي والرسمي ضد تحالف جماعات الإجرام السياسي في مصر، وفي مقدمتها جماعة الإخوان وما تسمى "أنصار بيت المقدس"، إلى حد دمغها بعد الجرم المشهود بوصف الإرهاب!

والمثير في الأمر أن الجهل بالدين والغباء السياسي والحقد على الشعب والوطن، وعلى الجيش والشرطة، التي برزت واضحة بارتكاب الجماعة الإرهابية تحت كل الأسماء لهذه الجريمة ولغيرها من الجرائم البشعة في سيناء، لم تفارق تلك الجماعة، لا وهي في الحكم بما أدى لسقوطها، ولا بعد السقوط بما سيؤدي إلى انتحارها!

فبينما حاولت الجماعة الإخوانية "السلمية" نفي ارتكابها لتلك الجريمة الإرهابية على مديرية الشرطة، ورفضها لوصمها بالإرهاب مستندة إلى اعتراف ما يسمى جماعة بيت المقدس بارتكابها، أبت إلا أن تعترف رسمياً بارتكابها لجرائم إرهابية بنص القانون المصري، بإعلانها أنها حرقت 73 سيارة شرطة، و4 مدرعات، و18 سيارة ترحيلات، في 37 يوماً فقط.. أليس هذا إرهاباً!

وفيما أكدت كل من جماعة بيت المقدس وجماعة الإخوان معاً، في بيانين إرهابيين متماثلين يوم 5 يناير الماضي، أنهما تهددان الجيش والشرطة بالويل والثبور وعظائم الأمور، إذا لم يتم الإفراج عن شباب و"حرائر" الإخوان المحبوسين بأمر النيابة على ذمة حرق بعض المباني والكليات في جامعة الأزهر، بما يعني تكامل الجماعتين في اعتراف ينضح بالغباء الفاضح والإرهاب الصريح!

والجماعتان بضبطهما بالإرهاب المشهود في المنصورة، بتلك الجريمة وما سيتلوها من جرائم أثناء محاكمة الرئيس المعزول، وأثناء الاستفتاء على الدستور، وفي ذكرى ثورة يناير، قد بدأتا مسلسلاً إرهابياً انتحارياً يائساً وبائساً، سينتهي بنهاية الإرهاب الأسود، لتكون المنصورة مقبرة الإرهاب كما كانت مقبرة الغزاة!

إن الجريمة الإرهابية الجبانة التي وقعت في مصر المنصورة لم تكن مجرد مصادفة، لا في المكان ولا في الزمان ولا في الهدف، ففي المكان، لم تكن مجرد مصادفة أن يضرب الإرهاب الأعمى لما يسمى "جماعة بيت المقدس"، ضربته الجبانة في المدينة التي اتخذت اسمها من "النصر"، الذي حققه على أرضها جيش مصر وشعب المنصورة، على حملات الفرنجة التي جاءت بأطماع استعمارية متخفية وراء شعارات دينية صليبية، بينما الدين منها براء، وإنما جاءت للسيطرة على "بيت المقدس" في قلب الشرق العربي الإسلامي!

وهل كانت مجرد مصادفة أن يرتكب الإرهاب الأعمى المتخفي وراء شعارات الإسلام، بينما الإسلام منه براء، جريمته النكراء ضد صروح الدين والأمن والثقافة والتاريخ الوطني والإسلامي؟

فقد دمر الانفجار الإجرامي الجبان مسجد الملك الصالح أيوب التاريخي، والمسرح القومي القائم في مبنى تاريخي شهير، وأصاب بالضرر دار القاضي "ابن لقمان"، حيث أسر أبطال المنصورة الملك لويس التاسع ملك فرنسا، فضلاً عن الهدف الرئيسي بقتل رجال الأمن من الضباط والجنود البواسل!

وفي الزمان، هل كانت مجرد مصادفة أن يرتكب المجرمون الإرهابيون جريمتهم ضد جنودنا البواسل في المنصورة، في "يوم النصر" 23 ديسمبر، يوم اندحار العدوان الاستعماري الثلاثي الصهيوني الأنجلو فرنسي على مصر عام 1956، بفضل الدفاع البطولي لرجال الجيش المصري، والمقاومة الشعبية الشجاعة في "بور سعيد" الباسلة، وبالقيادة والوطنية العظيمة لجمال عبد الناصر؟!

وهل كانت العملية الإجرامية مجرد مصادفة قبيل أعياد الميلاد المجيد لنبي الله عيسى عليه السلام، في 25 ديسمبر، لإفساد احتفالات إخوتنا المسيحيين المصريين، وأيضاً بعد صياغة الدستور وإعلان موعد الاستفتاء عليه في 15 يناير، ذكرى ميلاد الزعيم عبد الناصر، الذي حاولت جماعة الإخوان اغتياله بعد تحقيقه لاتفاق الجلاء لإخراج المستعمرين من مصر؟!

وأياً كانت الدوافع الشريرة والأهداف اللاوطنية، يظل الإرهاب هو الإرهاب، وهو الإجرام الدامي ضد الشعب والدولة.. والفارق كبير بين المظاهرة الاحتجاجية السلمية، والعنف والأعمال التخريبية المخالفة للقانون، وبين المقاومة المشروعة ضد المستعمر الأجنبي عدو الوطن، لكن الإجرام الإرهابي ضد الشعب والدولة والجيش والشرطة، هو في النهاية عدوان على الوطن والدين والقانون.

والإرهاب المعادي للشعب وللوطن والسلم لا ينتسب للثورة، فالثورة البناءة غير الفوضى الهدامة، والثورة الحقيقية لا تستمد شرعيتها إلا من شعبيتها ووطنيتها وسلميتها، والثورة المشروعة لا تتوجه ضد الوطن أو الشعب أو الجيش، بل ضد الإرهاب الموجه والممول من خارج الوطن، والثورة الوطنية التي يؤيدها الشعب ويحميها الجيش وتؤمنها الشرطة في إطار سيادة القانون، والهادفة لبناء الوطن بعدالة وكرامة، لا يمكن وصفها بالانقلاب ولا بالإرهاب!

ومع أن المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال حق مشروع للشعوب بالمواثيق الأممية، وواجب شرعي بالشرائع السماوية، لكن الغريب أن يتخفى الإرهابيون بشعار الجهاد، ويحملوا السلاح بشعار كاذب هو الدفاع عن "بيت المقدس"، بينما هو لا يُستخدم إلا لقتل المسلمين ولإرهاب المصريين في "المنصورة" والإسماعيلية والسويس والعريش.. هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مجاهدين ولا مقاومين، بل أدوات لأعداء دينهم ووطنهم وشعبهم!

وسلمت يا مصر المنصورة..

 

الأكثر مشاركة