في اللاسامية الأكاديمية الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل دخلت أميركا مرحلة العداء للسامية؟ هذا الاتهام بات يطرح نفسه بالفعل مؤخراً، وخاصة على الصعيد الأكاديمي وعلى الصعيد الديني داخل الولايات المتحدة الأميركية.

القصة تبدأ من عند اتحاد الدراسات الأميركية، الذي يعمل في الجامعات وفي الكليات الأميركية، والذي فرض مؤخرا قراراً بمقاطعة مؤسسات أكاديمية في إسرائيل بسبب ما تقوم به سلطات الاحتلال تجاه الفلسطينيين.

القرار الأكاديمي الأميركي يجيء ليقف بجانب دعم واحترام نداء المجتمع المدني الفلسطيني بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل، ما يشكل إنجازاً رمزياً ومهماً لحركة المقاطعة العالمية، ويرفع إشارة تحذير بارزة لإسرائيل ومؤيديها.

ما هي أبعاد الخطورة الحقيقية التي تستشعرها إسرائيل من مثل هذا القرار؟

بتاريخ السابع عشر من ديسمبر المنصرم، كانت افتتاحية صحيفة هآرتس الإسرائيلية تتحدث هلعاً عن هذه المقاطعة، وعندها أن ذلك القرار يحطم حواجز ويشكك في المسلمات، وهو يدخل الجدل على فرض المقاطعة إلى قلب المؤسسة الأكاديمية الأميركية، ويحول المقاطعة السابقة التي فرضها اتحاد الدراسات الآسيوية الأميركية في أبريل 2013 من حادثة هامشية إلى ظاهرة حقيقية.

هل هذا القرار بالفعل من نوع "اللاسامية العملية"؟ صاحب هذا المصطلح هو رئيس جامعة هارفارد المرموقة السابق "لاري سامرز"، والصديق المقرب من الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصيا، والذي يؤكد على أن القرار وإن لم يكن يفترض الإضرار بالأكاديميين الإسرائيليين كأفراد.

إلا أن من شأنه أن يجعل إسرائيل والبحث مع أو ضد المقاطعة، مادة حامية على طول وعرض العالم الأكاديمي في أميركا، وسيجند المنظمات اليهودية والطلاب المؤيدين لإسرائيل في حرب إبادة ضد الاتحاد وممثليه، ما سيؤدي إلى ردود فعل مضادة بالطبع من جانب مؤيدي المقاطعة في اتحادات أخرى.

هل بدأت شمس الدعم اللامحدود الأميركية تغرب عن سماوات إسرائيل؟

عندما يأتي الرد من رجل يهودي لا إسرائيلي بوزن السيناتور الأميركي "هنري سيغمان"، رئيس المشروع الأميركي للشرق الأوسط والمعروف بمواقفه المناصرة للعدالة والسلام في فلسطين، فإن الأمر بالفعل جد مختلف.

فقد كتب سيغمان عبر هآرتس عينها، يقول إن قرار "مقاطعة جامعات إسرائيل أمر ليس فيه تعصب ولا علاقة له بالعداء للسامية، كما تحدث عن الانتقادات الحادة التي تواجهها المؤسسات التي تستخدم نفس الميزان في تقييم ديمقراطية إسرائيل ودرجة مراعاتها لحقوق الإنسان، إذ تعد إسرائيل من أشد الدول انتهاكا لحقوق الإنسان الفلسطيني الأعزل.

ليس ذلك فحسب، بل تسعى هذه المؤسسات إلى استخدام أدوات ضغط على الحكومة الإسرائيلية، كالمقاطعة، لردعها عن الاستمرار في هذه السياسة العنصرية".

هل قرار اتحاد الدراسات الأميركية هو الأول؟

بالقطع، لا.. فهناك جهات أميركية دينية مسيحية، قررت قبل بضعة أعوام مقاطعة الاستثمار في أية صناديق مالية أميركية تستثمر في مشروعات قائمة في إسرائيل.. والسبب ذاته؛ نفس المستوى المتدني من الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

على أن الإشكالية الكبرى التي تقلق إسرائيل هي؛ هل مثل هذه المقاطعة تشكل جرس إنذار في الحال ومخاطر حقيقية في الاستقبال، لا سيما إذا اعتبرها البعض في دول غربية وشرقية أخرى مثالا يحتذى؟

المتابع المحقق والمدقق لتحركات كثير من اليهود الغربيين من أمثال السيناتور سيغمان، يرى أن هناك انقلابا أو شبه انقلاب على فكرة دعم إسرائيل ظالمة أبداً غير مظلومة دوماً، ولهذا رأينا انقساماً حاداً في الأيباك، وظهور جماعة "جي ستريت" إلى العلن.

والثابت أن العدوى بالفعل انتقلت إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية، ففي فبراير 2007 أسست مجموعة من اليهود البريطانيين منظمة جديدة باسم "الأصوات اليهودية المستقلة"، تؤيد التطبيق الشامل لقانون حقوق الإنسان وحلاً تفاوضياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

والمثير جداً في شأن هذه الجماعة، هو أن إعلانها التأسيسي شدد على أن "المعركة ضد اللاسامية حيوية، وهي تتقوض في كل مرة يتم تلقائيا وسم معارضة سياسات الحكومة الإسرائيلية بأنها معاداة للسامية".

أما في استراليا فقد قام اليهود المنتقدون لسياسة إسرائيل، والذين يجدون صعوبة في الإعراب عن وجهات نظرهم، بتأسيس منظمة تدعى "الأصوات اليهودية المستقلة"، وتنهج نفس نهج سابقتها البريطانية..

هل كانت ألمانيا تغرد خارج السرب؟ بالقطع لا، ففي نوفمبر 2006 دعا 25 باحثا في شؤون السلام في ألمانيا، إلى مساءلة "العلاقة الخاصة" بين ألمانيا وإسرائيل، بسبب سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين.

بعد ذلك بأشهر وفي مارس 2007، انفجر جدل حام داخل الطائفة اليهودية الألمانية، عندما أصدرت مجموعة صغيرة من اليهود "إعلان برلين شالوم 5767"، الذي انتقد سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة، والحدود الموضوعة أمام النقاش المفتوح لمسائل لها علاقة بالشرق الأوسط.

هل يعني ما تقدم أن فكرة أميركا والغرب الداعمين لإسرائيل على طول المدى، تجتاحها رياح تغيير تهدد الزواج الكاثوليكي بين واشنطن وتل أبيب؟

ربما يكون ذلك كذلك بالفعل، مع الأخذ في الاعتبار الخطورة الحقيقية للمقاطعة الأكاديمية الأميركية لإسرائيل، إذ انها تقود إلى نشوء وارتقاء أجيال أميركية متحررة من عبودية اللوبي الداعم لإسرائيل داخل أميركا، ومن أساطير الأولين الإسرائيليين خارجها.

ومعنى ذلك أن إسرائيل ربما تجد ذاتها خلال عقد أو عقدين على أكثر تقدير، في عين العاصفة لتتحول داخل أميركا وخارجها من دولة يجمع على دعمها ومساعدتها بالمطلق، إلى موضوع مختلف عليه شكلاً وموضوعاً.

متى تدرك إسرائيل أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة؟

Email